أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن سلسلة من الإجراءات العقابية والإصلاحات التشريعية تهدف إلى مواجهة ما وصفه بـ"الفكر المتطرف" داخل المجتمع الفرنسي. تأتي هذه الخطوة في سياق تصاعد المخاوف بشأن تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في بعض الأحياء والمناطق الفرنسية. دعا ماكرون إلى صياغة قانون جديد يكون جاهزًا بحلول نهاية العام، ما يشير إلى جدية الحكومة الفرنسية في التعامل مع هذا الملف. هذه الإجراءات تأتي بعد اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي، وهو الثاني من نوعه خلال أسابيع، مما يعكس الأهمية القصوى التي توليها الحكومة الفرنسية لهذا الموضوع. الرئيس الفرنسي أعرب عن عدم رضاه عن مخرجات الاجتماع الأول في مايو الماضي، وطالب الحكومة بتقديم مقترحات أكثر طموحًا، مما يدل على رغبة في اتخاذ خطوات ملموسة وفعالة. هذه التحركات تأتي في ظل ضغوط داخلية متزايدة، خاصة من أحزاب اليمين والوسط، التي تطالب باتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من انتشار الفكر المتطرف، بالإضافة إلى مخاوف من تنامي نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا.

 

آليات جديدة لتعطيل وتجميد الأصول المالية

خلال مؤتمر صحفي عقده بقصر الإليزيه، أوضح ماكرون أن الدولة ستعتمد آليات جديدة لتعطيل وتجميد الأصول المالية للجمعيات التي يشتبه في ارتباطها بجماعة الإخوان، حتى وإن لم تكن مصنفة على لوائح الإرهاب. هذا الإجراء يمثل تحولًا هامًا في السياسة الفرنسية، حيث يسمح للحكومة بالتحرك ضد الجمعيات التي تعتبرها متطرفة حتى قبل أن يتم إدراجها رسميًا على قوائم الإرهاب. كما تقرر توسيع نطاق "التصفية الإدارية" ليشمل صناديق الأوقاف، إلى جانب اعتماد "نظام قسري لتصفية أصول الكيانات المنحلة"، بإشراف قضائي مباشر. هذه الإجراءات تهدف إلى تجفيف منابع التمويل التي تعتمد عليها الجماعات المتطرفة، وتقويض قدرتها على نشر أفكارها وتجنيد عناصر جديدة. وأكد ماكرون أن مكافحة الانفصالية تفرض على الحكومة أدوات أكثر فاعلية، مشددًا على أن بعض الجمعيات تخالف "عقد الالتزام الجمهوري"، الذي يُعد شرطًا للحصول على دعم الدولة، وستُفرض عليها غرامات مالية يومية في حال عدم الامتثال، بالإضافة إلى احتمال وقف التمويل العام الممنوح لها. هذا النهج يعكس تصميم الحكومة الفرنسية على تطبيق القانون بحزم ومنع أي محاولة لتقويض قيم الجمهورية.

 

مشروع قانون جديد لسد الثغرات القانونية

أعلن ماكرون أنه طالب بإعداد مشروع قانون بحلول نهاية الصيف، على أن يدخل حيز التنفيذ قبل نهاية 2025، بهدف سد الثغرات القانونية التي تستغلها الجماعات "التي تسعى لفرض مشروع سياسي ديني يتعارض مع مبادئ الجمهورية". هذا القانون الجديد يهدف إلى معالجة أوجه القصور في القوانين الحالية التي تسمح للجماعات المتطرفة بالعمل تحت غطاء جمعيات خيرية أو ثقافية. كما دعا إلى تعزيز تدريب الأئمة داخل فرنسا، لتقليل الاعتماد على المراكز الدينية الممولة من الخارج، في خطوة وصفها بأنها "أساسية لتحصين الإسلام الفرنسي من التأثيرات الخارجية". هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز الهوية الإسلامية الفرنسية وتشجيع الأئمة على نشر قيم التسامح والاعتدال. تقرير مسرب كلف ماكرون بإعداده ونشرته صحيفة لوموند الفرنسية، أشار إلى "تنامي نفوذ جماعة الإخوان في الأحياء المهمشة، من خلال بناء شبكات دعوية وخيرية تستخدم كأدوات تسلل ناعم داخل المجتمع الفرنسي، وهو ما دفع الإليزيه لوصف الوضع بأنه "تهديد فعلي للتماسك الوطني". هذا التقرير المسرب أثار جدلاً واسعًا في فرنسا وأكد على خطورة الوضع وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة.

 

ردود فعل سياسية متباينة

رغم أن التقرير لم ينشر رسميًا، إلا أن تسريبه أثار موجة من ردود الفعل السياسية المتباينة. بينما دعمت أحزاب اليمين والوسط توجهات الرئيس، أعرب المجلس الفرنسي الإسلامي وعدد من الجمعيات الإسلامية عن مخاوفهم من "تسييس الملف" و"ربط الإسلام بالتطرف بشكل عام". هذه المخاوف تعكس القلق من أن الإجراءات الحكومية قد تستهدف المسلمين بشكل عام وتؤدي إلى تضييق الخناق على الحريات الدينية. في المقابل، رفضت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان الإجراءات الإدارية، معتبرة إياها غير كافية، ودعت إلى "اجتثاث هذه الأيديولوجيا من جذورها، وفرض حظر شامل على منشوراتها وتمويلها". هذا الموقف يعكس المطالب المتزايدة من اليمين المتطرف باتخاذ إجراءات أكثر صرامة وشمولية ضد الجماعات المتطرفة. وعلى صعيد منفصل، كشف ماكرون عن نيته لقاء ممثلي "منتدى الإسلام في فرنسا" خلال الخريف، في محاولة لفتح حوار موسع مع القيادات الإسلامية التي "تحترم قواعد الجمهورية"، على حد تعبيره. هذه الخطوة تهدف إلى بناء جسور من الثقة مع الجالية المسلمة وتشجيعها على الاندماج في المجتمع الفرنسي.

 

نهج متصاعد في سياسة فرنسا تجاه الإسلام السياسي

تأتي هذه الإجراءات ضمن نهج متصاعد في سياسة فرنسا تجاه الإسلام السياسي، وسط تصاعد الأصوات المطالبة بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والدين، على أسس أكثر تشددًا تجاه التنظيمات التي تتبنى أيديولوجيات سياسية دينية. هذا النهج يعكس التغيرات العميقة التي يشهدها المجتمع الفرنسي والتحولات في الرأي العام تجاه الإسلام السياسي. الإجراءات التي أعلنها ماكرون تمثل خطوة جريئة نحو مواجهة التحديات التي تفرضها الجماعات المتطرفة، ولكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات حول التوازن بين الأمن والحريات الدينية. يبقى أن نرى كيف ستتطور هذه الإجراءات وكيف ستؤثر على المجتمع الفرنسي في المستقبل. الهدف الأساسي هو حماية قيم الجمهورية الفرنسية وضمان التماسك الوطني في مواجهة التحديات المتزايدة. الإجراءات المتخذة تشمل تجميد الأصول المالية، وتوسيع نطاق التصفية الإدارية، وإعداد مشروع قانون جديد لسد الثغرات القانونية. ردود الفعل السياسية متباينة، حيث يدعمها اليمين والوسط، بينما يعرب المجلس الفرنسي الإسلامي عن مخاوفه. المستقبل سيشهد حوارًا موسعًا مع القيادات الإسلامية التي تحترم قواعد الجمهورية. التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الأمن والحريات الدينية.