في حادثة مؤسفة هزت قطاع الاتصالات في مصر، شهد سنترال رمسيس، أحد أقدم وأهم السنترالات في البلاد، حريقًا ضخمًا. أسفر الحريق عن خسائر بشرية ومادية فادحة، حيث توفي أربعة من الموظفين وأصيب العشرات. استمرت جهود الإطفاء لساعات طويلة قبل أن تتمكن فرق الإطفاء من السيطرة على النيران. لكن الأثر الأكبر للحريق لم يقتصر على الخسائر المباشرة، بل امتد ليشمل تعطيلًا واسعًا في خدمات الاتصالات والإنترنت والدفع الإلكتروني في القاهرة وخارجها. هذا المقال يهدف إلى تبسيط الأسباب الكامنة وراء هذا التأثير الكبير، وشرح دور سنترال رمسيس في البنية التحتية للاتصالات في مصر.

 

سنترال رمسيس.. العقل المركزي لشبكات الاتصالات في مصر

لا يمكن اختزال سنترال رمسيس في كونه مجرد سنترال للهواتف الأرضية. بل هو يعتبر مركزًا عصبيًا حيويًا للبنية التحتية للاتصالات في مصر. يُعد السنترال واحدًا من أهم السنترالات الرئيسية في القاهرة، ويمكن وصفه بأنه "العقل المركزي" لبعض الخدمات الأساسية. يضم السنترال أجهزة السويتشات الرئيسية لشبكات الهاتف والإنترنت، بالإضافة إلى كوابل فايبر رئيسية تربط القاهرة بباقي المحافظات. كما يخدم السنترال العديد من المناطق في محيط وسط البلد، ويمر عبره حجم كبير من البيانات ("ترافيك") للخدمات المتعددة. هذا التركز الكبير للأصول الحيوية في مكان واحد جعل السنترال نقطة ضعف رئيسية، وعندما تعطل، شعر به قطاع الاتصالات بأكمله.

 

لماذا تأثرت شبكات الاتصالات الأخرى؟

قد يتساءل البعض عن سبب تأثر شركات الاتصالات الأخرى، مثل أورنج وفودافون، على الرغم من استقلالها. الإجابة تكمن في اتفاقيات مشاركة البنية التحتية. في كثير من الأحيان، تعتمد هذه الشركات على وصلات ربط (Backhaul) تمر عبر سنترالات المصرية للاتصالات. هذا يعني أن خدمة الإنترنت التي تستخدمها على هاتفك، حتى وإن كانت مقدمة من شركة خاصة، قد تمر عبر كابل داخل سنترال رمسيس. وبالتالي، عندما دمر الحريق جزءًا من هذه البنية التحتية، أدى ذلك إلى تباطؤ أو انقطاع مؤقت في الخدمة. هذا الاعتماد المتبادل يوضح أهمية وجود خطط طوارئ قوية وتوزيع أفضل للبنية التحتية لتقليل المخاطر.

 

لماذا تأثرت البنوك والدفع الإلكتروني؟

الخدمات البنكية والدفع الإلكتروني تعتمد بشكل كبير على خوادم مركزية تتطلب اتصالاً ثابتًا بالإنترنت وربطًا مباشرًا بشركات الاتصالات أو كوابل خاصة. في بعض الحالات، يكون خادم الشركة في القاهرة مرتبطًا بخط رئيسي يمر عبر سنترال رمسيس. عند وقوع الحريق، فقدت هذه الخوادم القدرة على الاتصال، أو حدث فصل مفاجئ للكهرباء والإنترنت، مما أدى إلى توقف التعاملات. أما بالنسبة للمحافظات الأخرى، فعندما تعطلت الخطوط الرئيسية، بدأت تشعر بالأثر نتيجة لظاهرة "عنق الزجاجة" (network congestion)، حيث تزدحم الشبكة بسبب نقص المسارات البديلة. هذا التأثير يبرز مدى أهمية وجود بنية تحتية اتصالاتية مرنة وقادرة على التعامل مع حالات الطوارئ.

 

ما دور النسخ الاحتياطي؟

بالطبع، توجد نسخ احتياطية للبيانات والخدمات، ولكن فعاليتها تعتمد على عدة عوامل. في بعض الأحيان، لا يكون النسخ الاحتياطي فوريًا (real-time)، مما يستغرق بعض الوقت لاستعادة الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تستخدم جميع الشركات تقنيات توزيع عبء (load balancing) بشكل كافٍ، مما يزيد من الاعتماد على المواقع المركزية. هذا الاعتماد المفرط يجعل الشبكة أكثر عرضة للانقطاع عند وقوع حوادث مثل حريق سنترال رمسيس. الدروس المستفادة من هذه الحادثة تشمل ضرورة الاستثمار في أنظمة نسخ احتياطي أكثر تطورًا وتوزيع أفضل للبنية التحتية لضمان استمرارية الخدمات في جميع الظروف.