ندق ناقوس الخطر، لأن - ببساطة - ما يحدث في غزة وما يُحاك ضد القطاع والضفة، يضع التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة أمام احتمالات وجود تصوّرات أو مخطّطات "غير مُعلنة" لإعادة تشكيل الإقليم سياسياً وأمنياً واقتصادياً، أبرزها أن يُعاد طرح دور جديد لقطاع غزّة في المُستقبل، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الأمني، في حال تغيّرت المعادلات الميدانية والسياسية القائمة. هذه التحولات، التي تتسارع وتيرتها بشكل ملحوظ، تستدعي تحليلاً معمقاً لفهم الدوافع الكامنة وراءها، والمآلات المحتملة التي قد تنجم عنها. فالوضع الحالي في غزة، بكل ما يحمله من تحديات إنسانية وسياسية وأمنية، يمثل نقطة ارتكاز رئيسية في إعادة رسم خريطة المنطقة، وربما إعادة تعريف الأدوار والمصالح الإقليمية والدولية.
إعادة تعريف دور غزة: سيناريوهات محتملة
إن إعادة تعريف دور غزة في المستقبل، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الأمني، يمثل محوراً أساسياً في هذه التحولات الجيوسياسية. ففي ظل المعادلات الميدانية والسياسية المتغيرة، تظهر سيناريوهات متعددة قد تتشكل بموجبها ملامح هذا الدور الجديد. على الصعيد الاقتصادي، قد يتم طرح مشاريع إعادة إعمار واسعة النطاق، تستهدف تحويل غزة إلى مركز تجاري واقتصادي حيوي، يربط بين الضفة الغربية ومصر، وربما دول أخرى في المنطقة. هذا السيناريو يتطلب استثمارات ضخمة، وتنسيقاً إقليمياً ودولياً فعالاً، فضلاً عن تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي اللازمين لجذب الاستثمارات وتنمية الاقتصاد المحلي. أما على الصعيد السياسي، فقد يشهد القطاع تحولات في هيكل السلطة، ونظام الحكم، والعلاقات مع الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية. قد يتم طرح صيغ جديدة للحكم الذاتي، أو مشاركة أوسع في العملية السياسية، أو حتى إعادة دمج القطاع مع الضفة الغربية في إطار دولة فلسطينية موحدة. هذه السيناريوهات تتطلب حواراً وطنياً شاملاً، وتوافقاً سياسياً بين الفصائل الفلسطينية، فضلاً عن دعم إقليمي ودولي للعملية السياسية.
الأبعاد الأمنية وتأثيرها على مستقبل القطاع
لا يمكن فصل الأبعاد الأمنية عن مستقبل غزة، فالوضع الأمني المتوتر، والتهديدات المستمرة، يشكلان عائقاً رئيسياً أمام تحقيق الاستقرار والتنمية في القطاع. قد تشهد غزة في المستقبل ترتيبات أمنية جديدة، تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار، ومنع تكرار الصراعات والتوترات. قد يتم نشر قوات حفظ سلام دولية، أو تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أو إقامة مناطق عازلة على الحدود، أو حتى فرض رقابة مشددة على حركة الأفراد والبضائع. هذه الترتيبات الأمنية تتطلب توافقاً بين الأطراف المعنية، واحتراماً لحقوق الإنسان، وتوازناً بين الأمن والحرية. كما يجب أن تكون هذه الترتيبات جزءاً من حل شامل للأزمة الفلسطينية، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويحقق السلام العادل والدائم في المنطقة. إن أي حلول أمنية جزئية أو مؤقتة لن تؤدي إلا إلى تأجيل المشكلة، وتفاقم الأوضاع في المستقبل.
المخططات "غير المعلنة" وإعادة تشكيل الإقليم
إن ما يُحاك ضد غزة والضفة، يضع التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة أمام احتمالات وجود تصوّرات أو مخطّطات "غير مُعلنة" لإعادة تشكيل الإقليم سياسياً وأمنياً واقتصادياً. هذه المخططات قد تتضمن تغييرات في الحدود، أو إعادة توزيع للسكان، أو فرض سيطرة أجنبية على أجزاء من الأراضي الفلسطينية، أو حتى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل. هذه المخططات تتطلب يقظة وحذراً، وتنسيقاً بين القوى الوطنية والإقليمية والدولية الرافضة لهذه المخططات. يجب فضح هذه المخططات، والتصدي لها بكل الوسائل المشروعة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وحماية وحدته الوطنية، والحفاظ على هويته وثقافته. إن مستقبل فلسطين، ومستقبل المنطقة، يعتمد على قدرتنا على مواجهة هذه التحديات، وتحقيق تطلعاتنا في الحرية والاستقلال والعيش الكريم.
ضرورة اليقظة والعمل المشترك
في ظل هذه التحولات الجيوسياسية المتسارعة، والاحتمالات "غير المعلنة" التي تحاك ضد غزة والضفة، يصبح من الضروري مضاعفة الجهود، وتوحيد الصفوف، والعمل المشترك لمواجهة هذه التحديات، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني، وتحقيق تطلعاته في الحرية والاستقلال والعيش الكريم. يجب على الفصائل الفلسطينية تجاوز خلافاتها، والتوحد في إطار جبهة وطنية موحدة، قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني، والدفاع عن مصالحه، والتفاوض باسمه. كما يجب على الدول العربية والإسلامية دعم الشعب الفلسطيني، وتقديم المساعدة اللازمة له، والوقوف في وجه المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية. وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته، والضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس.