تعتبر محافظة القليوبية من المناطق الزراعية الهامة في مصر، وتشتهر بإنتاج العديد من الفواكه والخضروات، ومن بين هذه المحاصيل يبرز التين البرشومي كمنتج ذو قيمة اقتصادية عالية. يبدأ موسم زراعة التين البرشومي في القليوبية بمرحلة تجهيز دقيقة ومدروسة، تستغرق عدة أشهر لضمان الحصول على محصول وفير وجودة عالية. وفقًا لمحمد شعبان سالم، أحد العاملين في مزارع التين البرشومي بالقليوبية، فإن التحضير للموسم يبدأ في شهر ديسمبر من كل عام، حيث يتم البدء بعملية القص والتقليم للأشجار. هذه العملية ضرورية لإزالة الأغصان الميتة أو التالفة، وتشكيل الشجرة بالشكل الأمثل لزيادة الإنتاجية وتسهيل عملية الحصاد لاحقًا. بعد التقليم، يتم إضافة السباخ العضوي إلى التربة لتغذيتها وتحسين خصوبتها، مما يوفر العناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها الأشجار للنمو وإنتاج الثمار. بعد ذلك، تبدأ مرحلة "الصيام" للأشجار، حيث يتم منع الري لمدة 90 يومًا تقريبًا، وهي فترة ضرورية لتحفيز الأشجار على الإزهار وإنتاج الثمار بجودة عالية. أول رية للأشجار تكون في شهر مارس، وهي إشارة البدء لمرحلة جديدة من النمو والتطور.

 

مراحل الري والتسميد والعناية بالأشجار

بعد أول رية في شهر مارس، تبدأ مرحلة خروج العين، وهي ظهور الأوراق وبداية تكوين الثمار الصغيرة. خلال هذه المرحلة، يتم ري الأشجار بشكل منتظم كل 10 أيام، مع إضافة الأسمدة الخاصة التي تساهم في نمو الثمار وزيادة حجمها وجودتها. كما تتضمن عملية العناية بالأشجار رش المبيدات اللازمة لحماية الثمار من الآفات والأمراض التي قد تؤثر على المحصول. خلال موسم الحصاد، تزداد وتيرة الري لتصبح كل 5 أيام، وذلك لأن التين البرشومي يحتاج إلى كمية أكبر من المياه مقارنة بأنواع الفاكهة الأخرى. هذه الزيادة في الري تساهم في الحفاظ على رطوبة الثمار ونضارتها، وتمنع جفافها أو تلفها. الاهتمام بعملية الري والتسميد بشكل دقيق ومنتظم يعتبر عاملاً حاسمًا في تحديد جودة وكمية المحصول النهائي.

 

أنواع التين البرشومي وموسم الحصاد

أشار أحمد الجماعة، صاحب مزرعة تين برشومي في القليوبية، إلى وجود نوعين رئيسيين من التين في مزارع مصر: التين الأحمر (الفرنساوي) و التين الأبيض (البلدي). يتميز كل نوع بمذاقه ولونه وخصائصه الفريدة، مما يجعله مرغوبًا لدى فئات مختلفة من المستهلكين. يبدأ موسم الحصاد في نهاية شهر يونيو ويستمر حتى شهر أكتوبر، أي لمدة أربعة أشهر تقريبًا. خلال هذه الفترة، يتم جمع الثمار الناضجة بعناية فائقة، مع الحرص على عدم إتلافها أو خدشها. بعد الانتهاء من الحصاد، تبدأ عملية التجهيز للموسم الجديد، والتي تتضمن تقديم الخدمات اللازمة للأرض من حرث وتسميد وتقليم، استعدادًا لدورة زراعية جديدة. إن طول فترة الحصاد يعكس مدى العناية التي توليها المزارع للأشجار، والجهود المبذولة للحفاظ على إنتاجية عالية وجودة متميزة.

 

إنتاجية الفدان وعملية التعبئة والتغليف

تصل إنتاجية الفدان الواحد من التين البرشومي إلى حوالي 15 طنًا في الموسم الواحد، وهو رقم يعكس مدى جودة التربة ووفرة المياه، بالإضافة إلى الخبرة والمعرفة التي يتمتع بها المزارعون في القليوبية. بعد عملية التقليم، يتم الاهتمام بمرحلة "التوريق"، وهي ظهور الأوراق على جذوع أشجار التين، وذلك لأن كل ورقة من هذه الأوراق يكون أسفلها ثمرة للتين البرشومي. هذه العلاقة الوثيقة بين الأوراق والثمار تؤكد أهمية الحفاظ على صحة الأوراق وتوفير الظروف المثالية لنموها. بعد جمع المحصول، يتم نقله إلى أماكن التعبئة والتغليف، حيث يقوم العمال المتخصصون بفحص الثمار بعناية، وإزالة أي حبات تالفة أو غير ناضجة بشكل كاف. يتم أيضًا استبعاد أي ثمار يشتبه في وجود حشرات بها، وذلك لضمان تقديم منتج نظيف وصحي للمستهلكين. يقول أحد العاملين في التعبئة: "بنحاول قدر الإمكان أقدم منتج للمواطن لما يشتري مرة يجي يشتري تانى"، مما يعكس حرص المزارعين على بناء سمعة طيبة لمنتجاتهم وكسب ثقة المستهلكين.

 

أسعار التين البرشومي وتحديات الحصاد

يبلغ وزن القفص النهائي بعد تعبئته وقبل بيعه للسوق 10 كيلوجرامات، ويتراوح سعر الكيلو من المزرعة ما بين 28 إلى 30 جنيهاً. ويعتبر هذا السعر عادلاً ومناسبًا، نظرًا للجودة العالية للمنتج والجهود المبذولة في زراعته وإنتاجه. يكمن السر في الحصاد المبكر في تجنب التعرض للسائل الذي يفرزه التين عند قطفه، والذي قد يتسبب في حروق ونزيف للجلد عند ملامسته في ظل درجات الحرارة العالية. لذلك، يحرص العمال على ارتداء القفازات لحماية أيديهم أثناء الحصاد. يجب الانتهاء من حصاد التين البرشومي في موعد أقصاه الساعة الثامنة أو التاسعة صباحًا، وذلك للحفاظ على الثمار من التعرض لأشعة الشمس المباشرة التي قد تتسبب في تلفها أو جفافها. هذه الإجراءات الاحترازية تعكس مدى اهتمام المزارعين بجودة منتجاتهم وحرصهم على تقديم أفضل ما لديهم للمستهلكين. إن زراعة التين البرشومي في القليوبية تمثل قصة نجاح تضاف إلى سجل الزراعة المصرية، وتؤكد على قدرة المزارعين المصريين على إنتاج محاصيل عالية الجودة تلبي احتياجات السوق المحلية وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني.