شهدت الساحة التجارية المصرية مؤخرا حدثا مدويا تمثل في الإغلاق شبه الكامل لفروع سلسلة الحلويات الشهيرة بلبن والتي تجاوز عددها المئة وعشرة فروع منتشرة في أنحاء الجمهورية أثار هذا القرار المفاجئ قلقا واسعا ليس فقط بسبب حجم الكيان التجاري ولكن أيضا لتأثيره المباشر على آلاف العاملين الذين يقدر عددهم بخمسة وعشرين ألف شاب يعتمد الكثير منهم على هذا العمل كمصدر دخل أساسي لهم ولأسرهم يطرح هذا التطور تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الانهيار السريع لعلامة تجارية حققت انتشارا واسعا وصعودا صاروخيا خلال فترة وجيزة

القصة وراء الإغلاق المفاجئ والتحليل من منظور الأعمال

لفهم أبعاد الأزمة الحالية التي تواجه بلبن من الضروري النظر إلى الصورة الأكبر فبلبن ليست كيانا منفردا بل هي جزء من شبكة علامات تجارية أسسها الدكتور البيطري مؤمن عادل وتشمل أسماء أخرى معروفة مثل كنافة وبسبوسة وبهيج وكرم الشام ووهمي وعم شلتت وتعتمد هذه الشبكة غالبا على استراتيجيات تسويقية متشابهة تعتمد على الانتشار السريع وإثارة الجدل أحيانا بدأ تسلسل الأحداث الذي أدى إلى الأزمة الحالية بإعلان تسويقي اعتبره البعض ساخرا بينما رآه آخرون مستفزا استهدف الإعلان علامة تجارية عريقة هي محلات العبد للسخرية منها مما أثار استغراب الكثيرين من جرأة علامة تجارية حديثة على مهاجمة اسم له تاريخ طويل بهذا الشكل أدى هذا الإعلان إلى رفع قضية من قبل العبد انتهت بإيقاف الإعلان واعتذار رسمي من بلبن لكن يبدو أن هذا الحادث فتح الباب أمام سلسلة من المشكلات الأعمق التي كانت تتراكم تحت السطح

أسباب تراكم المشكلات والضربة القاضية من هيئة سلامة الغذاء

منذ واقعة إعلان العبد بدأت تظهر للعلن مشكلات أخرى تتعلق ببلبن وإدارتها وفلسفتها التشغيلية ويمكن تلخيص أسباب هذه المشكلات التي ساهمت في تدهور سمعة العلامة التجارية ووصولها إلى نقطة الانهيار في النقاط التالية

  • ظهور شكاوى وحالات تسمم مزعومة من منتجات بلبن عبر شهادات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي

  • انتقادات لطرق التعامل مع الموظفين وادعاءات بسوء المعاملة أو عدم الحصول على الحقوق كاملة خاصة فيما يتعلق بساعات العمل الإضافية

  • انتقادات لأسلوب فريق التسويق الذي وصف بالغرور والتقليل من المنافسين

  • ردود غير مهنية وصفت بالسوقية من قبل مسؤولين في إدارة الموارد البشرية على انتقادات العملاء أو الموظفين عبر الإنترنت

  • تفاقم الأزمة مع إعلان السلطات الصحية السعودية عن إغلاق فروع بلبن في الرياض بسبب تسجيل ست وعشرين حالة تسمم غذائي مؤكدة مرتبطة بمنتجاتهم

  • تحرك الهيئة القومية لسلامة الغذاء في مصر وإجراء تحقيق موسع شمل سحب عينات من سبعة وأربعين فرعا لبلبن والعلامات التجارية الشقيقة (كرم الشام كنافة وبسبوسة وهمي عم شلتت)

  • نتائج التحاليل الرسمية التي كشفت عن وجود بكتيريا ممرضة مسببة للتسمم الغذائي في العديد من المنتجات بالإضافة إلى استخدام ألوان محظورة دوليا وتخزين غير سليم للخامات والمنتجات

جاءت نتائج تحاليل هيئة سلامة الغذاء بمثابة الضربة القاضية حيث أكدت وجود مخاطر صحية حقيقية مما أدى إلى قرار الإغلاق الفوري لجميع فروع بلبن والعلامات التجارية المرتبطة بها كإجراء مؤقت لحين تصحيح الأوضاع ورغم محاولة إدارة الشركة استجداء الدعم والتعاطف عبر مناشدة رئيس الجمهورية والتأكيد على حجم العمالة المتضررة إلا أن تحليل أعمق يشير إلى أن المشكلة تتجاوز مجرد المخالفات الصحية لتمتد إلى صميم فلسفة الإدارة واستراتيجيات التسويق والتوسع التي اتبعتها والتي اعتمدت على الاستفزاز وعدم احترام المنافسين والسوق وحتى الموظفين والمستهلكين أحيانا كما تثار تساؤلات حول دور الأجهزة الرقابية في السماح بهذا التوسع الهائل دون تدقيق كاف في التراخيص ومعايير السلامة إلا بعد وقوع الكارثة ليظل الدرس الأهم هو أن النجاح المبني على الغرور وتجاوز الأعراف المهنية غالبا ما يكون هشا وقابلا للانهيار عند أول اختبار حقيقي