يشهد سوق الذهب العالمي حالة من الزخم اللافت وتزايد الاهتمام بشكل كبير في الآونة الأخيرة مدفوعا بتقلبات اقتصادية وتوترات جيوسياسية تلقي بظلالها على المشهد المالي العالمي وفي هذا السياق المحموم تتصاعد التكهنات والتوقعات حول مستقبل أسعار المعدن الأصفر كملاذ آمن تقليدي وتبرز تحليلات جريئة من مؤسسات مالية مرموقة مثل جولدمان ساكس ويو بي إس تشير إلى إمكانية وصول سعر الأونصة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة تصل حتى أربعة آلاف دولار فهل هذه التوقعات واقعية أم مجرد تفاؤل مفرط وما هي العوامل التي قد تدفع الذهب نحو هذه القمة التاريخية نستعرض في هذا التقرير أبرز هذه التحليلات والدوافع المحتملة وراء هذا المسار الصعودي المتوقع
توقعات جريئة للذهب ودوافع الصعود المحتملة
تتصدر المحللة لدى بنك الاستثمار الشهير جولدمان ساكس لينا توماس المشهد بتوقعاتها المتفائلة حيث تتنبأ بأن يصل سعر أونصة الذهب إلى ثلاثة آلاف وسبعمئة دولار بحلول نهاية عام ألفين وخمسة وعشرين ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تتوقع استمرار الصعود ليصل السعر إلى مستوى أربعة آلاف دولار بحلول منتصف عام ألفين وستة وعشرين وفي مذكرة تحليلية أخرى صادرة عن بنك يو بي إس السويسري توقعت الاستراتيجية جوني تيفيز أن يلامس سعر الأونصة مستوى ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار بحلول شهر ديسمبر كانون الأول من عام ألفين وخمسة وعشرين وتأتي هذه التوقعات الطموحة في أعقاب أسبوع حافل شهد فيه الذهب ارتفاعا قويا بنسبة قاربت ستة فاصلة ستة بالمئة مسجلا مستوى قياسيا جديدا تجاوز ثلاثة آلاف ومئتين وخمسة وأربعين دولارا للأونصة ويعزو العديد من المحللين جزءا من هذا الارتفاع الأخير إلى الاضطرابات التي شهدتها الأسواق نتيجة لسياسات التجارة العالمية والتوترات المرتبطة بها بما في ذلك تلك التي ارتبطت بإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب
عوامل رئيسية تدعم المسار الصعودي للذهب
يستند المحللون في توقعاتهم الصعودية على مجموعة من العوامل الأساسية التي يعتقدون أنها ستدعم أسعار الذهب خلال الفترة القادمة وتشمل هذه العوامل ما يلي
-
مشتريات القطاع الرسمي: أوضح محللو جولدمان ساكس أن مشتريات البنوك المركزية حول العالم من الذهب قد تصل إلى مستوى ثمانين طنا شهريا خلال العام الحالي وهو ما يمثل زيادة عن تقديراتهم السابقة البالغة سبعين طنا ويعكس هذا إقبالا متزايدا من المؤسسات الرسمية على تعزيز احتياطياتها من المعدن الأصفر
-
مخاطر الركود والتحوط: أشاروا أيضا إلى أن تصاعد مخاطر حدوث ركود اقتصادي عالمي قد يدفع المزيد من الاستثمارات للتدفق نحو صناديق الذهب المتداولة في البورصة ETFs كأداة للتحوط وفي حال تحقق هذا السيناريو قد ترتفع الأسعار إلى مستوى ثلاثة آلاف وثمانمئة وثمانين دولارا بنهاية العام
-
الطلب المتنوع والمستمر: من ناحيتها ترى مؤسسة يو بي إس أن الطلب القوي على الذهب سيستمر مدعوما من أطراف متعددة تشمل البنوك المركزية وصناديق التحوط ومديري الأصول والثروات الخاصة بالإضافة إلى المستثمرين الأفراد ويأتي هذا الطلب المتزايد خاصة في ظل التحولات الجارية في أنماط التجارة العالمية وتصاعد التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم مما يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن
ديناميكيات السوق الحالية وتأثير السيولة والاستثمارات
تضيف مؤسسة يو بي إس بعدا آخر للتحليل مؤكدة أن الذهب لم يصل بعد إلى أقصى درجات التعرض الاستثماري الممكنة مما يترك مجالا لمزيد من الارتفاعات المحتملة في الأسعار وتشير أيضا إلى أن شح السيولة في السوق والذي قد ينتج عن ضعف نمو إنتاج المناجم من جهة واحتفاظ البنوك المركزية بكميات ضخمة من الذهب دون بيعها من جهة أخرى قد يساهم في تضخيم التحركات السعرية وجعلها أكثر حدة سواء صعودا أو هبوطا وفي سياق متصل كشف السيد نور الدين محمد رئيس شركة تارجت للاستثمار عن بيانات لافتة تشير إلى أن صناديق الاستثمار المتداولة وخاصة تلك الموجودة في الولايات المتحدة ضخت خلال الشهر الماضي وحده ما يقرب من ستة مليارات دولار في شراء الذهب وهو ما ساهم بشكل كبير في تعزيز ارتفاع الأسعار ودفعها نحو مستويات قياسية غير مسبوقة وأوضح محمد أن الذهب حقق مكاسب تقارب العشرين بالمئة منذ بداية العام كان نصيب الشهر الماضي منها حوالي عشرة بالمئة وهذا الأداء القوي والسريع يجعل السوق مهيأ لاحتمال حدوث موجة جني أرباح في أي وقت حيث قد يسعى بعض المستثمرين لتسييل جزء من مكاسبهم
مستجدات أسعار الذهب العالمية في التداولات الأخيرة
على صعيد التداولات الفعلية للمعدن النفيس شهدت الأسواق بعض التقلبات فوفقا لأحدث بيانات التسوية انخفضت العقود الآجلة للذهب تسليم شهر يونيو حزيران بنسبة طفيفة بلغت صفر فاصلة خمسين بالمئة لتستقر عند مستوى ثلاثة آلاف وثلاثمئة وثمانية وعشرين فاصلة أربعين دولارا للأوقية ومع ذلك ورغم هذا الانخفاض الطفيف في نهاية الجلسة أنهى الذهب الأسبوع على مكاسب إجمالية ملحوظة بلغت اثنين فاصلة ثمانية وخمسين بالمئة وهذا الأداء الأسبوعي الإيجابي يعكس استمرار الثقة في الذهب كأصل آمن وقوة الطلب عليه حتى في ظل التقلبات اللحظية التي قد تشهدها الأسعار مما يدعم وجهة النظر القائلة بأن الاتجاه العام لا يزال يميل نحو الصعود على المدى المتوسط والطويل