تغطية لأدوار الروبوتات المنتشرة في الحرم لخدمة الحجاج بالذكاء الاصطناعي، يشهد موسم الحج كل عام توافد الملايين من المسلمين من شتى بقاع الأرض إلى الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام. ومع هذه الأعداد الهائلة، تبرز تحديات لوجستية وتنظيمية ضخمة تتطلب حلولاً مبتكرة لضمان راحة الحجاج وسلامتهم وتيسير أدائهم لمناسكهم بيسر وطمأنينة. وفي هذا السياق، برزت المملكة العربية السعودية كرائدة في تبني أحدث التقنيات لخدمة ضيوف الرحمن، ويعد انتشار الروبوتات في الحرمين الشريفين لأداء مهام متنوعة دليلاً ساطعاً على هذا التوجه، لا سيما روبوتات توزيع الفتوى وتوزيع الطعام، التي تمثل تطوراً لافتاً في مفهوم الخدمات الإنسانية المقدمة للحجاج.

روبوتات توزيع الفتاوى: الذكاء الاصطناعي في خدمة الحجاج

يواجه الكثير من الحجاج، خاصة غير الناطقين بالعربية، صعوبة في الوصول إلى العلماء والمشايخ لطرح استفساراتهم الشرعية المتعلقة بمناسك الحج والعمرة أو الأمور الدينية العامة. ولمعالجة هذا التحدي، وتسهيل الحصول على المعلومة الدينية الموثوقة، تم إدخال "روبوت الفتوى" أو "الروبوت التوجيهي والإفتائي"، ولذلك أطلقت رئاسة شؤون الحرمين روبوتات ذكية مزودة بالذكاء الاصطناعي لتقديم الفتاوى والإرشادات الدينية للحجاج. تتميز هذه الروبوتات بقدرتها على التفاعل مع الحجاج بلغات متعددة، مثل العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الفارسية، التركية، الماليزية، الأردية، الصينية، البنغالية، والهوسا. كما أنها مزودة بشاشات تعمل باللمس، وكاميرات عالية الدقة، ونظام صوتي متقدم، مما يتيح لها تقديم استشارات دينية دقيقة ومباشرة. تعمل هذه الروبوتات على تسهيل وصول الحجاج إلى المعلومات الدينية والإجابة على استفساراتهم بسرعة وفعالية، مما يعزز من تجربتهم الروحية خلال موسم الحج ويتميز بـ:

  1. الوصول السهل للمعلومة: يتيح للحجاج طرح أسئلتهم مباشرة عبر شاشة تفاعلية تعمل باللمس.

  2. دعم لغات متعددة: غالباً ما يكون مبرمجاً لدعم لغات رئيسية يتحدث بها غالبية الحجاج، مما يكسر حاجز اللغة ويوصل المعلومة بوضوح.

  3. التواصل مع أهل العلم: يمكن للروبوت ربط الحاج مباشرة (عبر اتصال مرئي أو صوتي) بأحد المشايخ المعتمدين من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي للإجابة على الأسئلة المعقدة أو التي تتطلب تفصيلاً أعمق.

  4. محتوى إرشادي: يعرض أيضاً مواد توجيهية وإرشادية حول مناسك الحج والعمرة، وآداب الزيارة، والخرائط التوضيحية للمواقع داخل الحرم.

  5. تقليل الازدحام: يساهم في تخفيف الضغط على مكاتب الإفتاء التقليدية ونقاط الإرشاد، وينظم عملية الحصول على الفتوى بشكل فعال.

إن روبوت الفتوى ليس مجرد آلة، بل هو أداة تكنولوجية متقدمة تخدم جانباً روحانياً مهماً، وتضمن حصول الحاج على المعلومة الصحيحة من مصادرها الموثوقة بكل يسر وسهولة، مما يعزز تجربته الإيمانية.

روبوتات توزيع الطعام والماء: كفاءة ونظافة

تعتبر تلبية الاحتياجات الأساسية للحجاج، وعلى رأسها توفير الطعام والشراب، من الأولويات القصوى. ومع الأعداد المليونية، تصبح عملية التوزيع تحدياً يتطلب دقة وسرعة والتزاماً بأعلى معايير النظافة والسلامة الغذائية. هنا، تدخل روبوتات توزيع الطعام والضيافة لتقدم حلاً فعالاً ومبتكراً.

تتولى هذه الروبوتات مهام مثل:

  1. توزيع وجبات الطعام المعبأة: تقوم بنقل وتوزيع وجبات خفيفة أو معبأة مسبقاً في مناطق محددة، خاصة في أوقات الذروة أو في أماكن قد يصعب الوصول إليها بوسائل التوزيع التقليدية.

  2. توزيع عبوات ماء زمزم: تساهم بشكل كبير في توزيع عبوات ماء زمزم المبارك على الحجاج والمعتمرين بطريقة منظمة وصحية، دون الحاجة للتزاحم عند نقاط التوزيع اليدوية.

  3. التنقل الذاتي والآمن: تم تصميم هذه الروبوتات لتتنقل ذاتياً عبر مسارات محددة مسبقاً، مزودة بمستشعرات لتجنب الاصطدام بالحجاج أو العوائق، مما يضمن سلامة الجميع.

  4. الحفاظ على النظافة: يقلل استخدام الروبوتات من التلامس البشري المباشر مع المواد الغذائية والمشروبات أثناء عملية التوزيع، مما يعزز معايير النظافة ويحد من احتمالية انتقال العدوى، وهو أمر حيوي في التجمعات الكبيرة.

  5. الكفاءة والسرعة: تعمل الروبوتات بكفاءة عالية وعلى مدار الساعة إذا لزم الأمر، مما يضمن وصول الإمدادات للحجاج بشكل أسرع وأكثر انتظاماً.

التكامل بين التكنولوجيا والخدمات الإنسانية

إن استخدام روبوتات الفتوى وتوزيع الطعام ليس مجرد استعراض للقدرات التقنية، بل هو تجسيد حقيقي لالتزام المملكة بتسخير كافة الإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن، وتحويل التحديات إلى فرص للتطوير والابتكار. يمثل هذا التوجه جزءاً من رؤية أوسع تهدف إلى رقمنة خدمات الحج والعمرة، وتعزيز تجربة الحاج بجعلها أكثر يسراً وأماناً وروحانية.

هذه الروبوتات، بتقنياتها المتقدمة، تساهم في رفع مستوى الخدمات الإنسانية المقدمة، وتخفيف العبء عن الكوادر البشرية العاملة في الميدان ليتفرغوا لمهام أخرى تتطلب التفاعل الإنساني المباشر. إنه مزيج متناغم بين الأصالة والمعاصرة، حيث تلتقي روحانية المكان وقدسيته مع أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لخدمة الهدف الأسمى: راحة الحاج وتمكينه من أداء نسكه في أفضل الظروف. ومع استمرار التطور التقني، يمكننا توقع المزيد من الابتكارات التي ستواصل الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة في الحرمين الشريفين، لتظل رحلة الحج تجربة إيمانية فريدة وميسرة للأجيال القادمة