في عالمنا الحديث الذي لا يهدأ أصبحت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر رفاقنا الدائمين، تشاركنا أدق تفاصيل عملنا وتواصلنا وحتى لحظات استرخائنا قبل النوم أصبح تصفح الشاشات في الساعات الأخيرة من اليوم طقساً ليليا شبه مقدس للكثيرين. لكن هل فكرت يوما أن هذا الرفيق اللامع قد يكون هو السارق الخفي لراحتك ونومك الهانئ؟
رقصة الضوء والهرمونات كيف تتحكم الشاشات بنومنا؟
أدمغتنا مبرمجة ببراعة لتنظيم دورات النوم والاستيقاظ وتعتمد بشكل كبير على إشارات الضوء هناك منطقتان رئيسيتان في الدماغ تديران هذه العملية:
-
مركز اليقظة: جزء شديد الحساسية للضوء مهمته إبقاؤنا مستيقظين ونشطين عندما يكون الضوء ساطع.
-
الغدة الصنوبرية: تعمل كـ "ساعة ليلية" داخلية تبدأ بإفراز هرمون الميلاتونين – المعروف بهرمون النوم أو هرمون الظلام – عندما يخفت الضوء في المساء، لتهيئ الجسم للنوم.
المشكلة تكمن هنا: شاشات أجهزتنا الإلكترونية تنبعث منها كمية كبيرة من الضوء الأزرق هذا النوع من الضوء هو الأكثر تأثير ونشاط في طيف الضوء عندما يتعلق الأمر بتنظيم دورة نومنا عندما تتعرض أعيننا لهذا الضوء الأزرق الساطع في المساء:
-
يتم تحفيز مركز اليقظة في الدماغ بشكل مباشر.
-
الأهم من ذلك يتم إرسال إشارة خاطئة إلى الغدة الصنوبرية مفادها أن الوقت لا يزال نهاراً، مما يؤدي إلى تثبيط وكبح إنتاج هرمون الميلاتونين بشكل كبير.
والنتيجة؟ يجد الكثيرون صعوبة بالغة في "إطفاء" أدمغتهم، والشعور بالنعاس، والانتقال السلس إلى النوم، حتى لو شعروا بالإرهاق الجسدي.
ليست مجرد إضاءة المحتوى أيضاً يحفز اليقظة
الأمر لا يقتصر فقط على تأثير الضوء الأزرق البيولوجي طبيعة المحتوى الذي نتفاعل معه على شاشاتنا في المساء غالبا ما تكون محفزة بحد ذاتها:
-
رسائل البريد الإلكتروني أو العمل المتأخرة قد تثير التوتر.
-
مشاهدة برامج تلفزيونية مشوقة أو أفلام حركة تبقي الدماغ في حالة تأهب.
-
ألعاب الفيديو التنافسية يمكن أن تسبب اندفاعات من الأدرينالين.
كل هذا يبقي أدمغتنا مشغولة ومستثارة، عكس حالة الهدوء والاسترخاء التي نحتاجها للانجراف في نوم عميق.
الثمن الباهظ لقلة النوم
تجاهل تأثير الشاشات على نومنا له عواقب وخيمة على الصحة العامة حيث تتجاوز مجرد الشعور بالتعب في اليوم التالي قلة النوم المزمنة أو النوم ذو الجودة الرديئة ترتبط بالعديد من المشاكل الصحية الخطيرة، منها:
-
أمراض القلب
-
مرض السكري
-
ارتفاع ضغط الدم
-
الاكتئاب
-
السمنة
ناهيك عن التأثيرات المباشرة مثل النعاس المفرط أثناء النهار، صعوبة التركيز، وانخفاض القدرة على أداء المهام اليومية بكفاءة.
كيف نحمي نومنا من سطوة الشاشات؟
على الرغم من صعوبة التخلي عن الأجهزة خاصة عندما نشعر بضرورة الرد على رسالة أخيرة، إلا أن حماية نومنا يجب أن تكون أولوية إليك بعض الخطوات العملية:
-
قاعدة الساعة الذهبية: تشير الدراسات إلى أن قضاء ساعتين أو أكثر أمام الشاشات مساءً يؤثر سلب على تدفق الميلاتونين فالقاعدة المثالية هي إطفاء جميع الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة واحدة على الأقل من موعد النوم.
-
بدائل صحية للاسترخاء: استبدل وقت الشاشة بأنشطة تساعد على الاسترخاء مثل قراءة كتاب ورقي، أخذ حمام دافئ، الاستماع إلى موسيقى هادئة، أو ممارسة تمارين التنفس العميق.
-
تقليل الضرر إذا كان لا بد من الاستخدام:
-
اخفض سطوع الشاشة إلى أدنى مستوى ممكن.
-
فعل "وضع الليل" أو استخدم تطبيقات فلاتر الضوء الأزرق التي تضبط لون الشاشة ليصبح أكثر دفئا مع تقدم المساء.
-
-
حماية نوم الأطفال والمراهقين: هذا الأمر بالغ الأهمية. توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بإبعاد الأجهزة الإلكترونية تماما عن غرف نوم الأطفال والمراهقين، وإنشاء "محطة شحن" عائلية خارج غرف النوم لمنع الاستخدام السري ليلاً.