في خطوة لافتة تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتعزيز بيئة الأعمال، وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدراسة استبدال منظومة الرسوم المتعددة التي تفرضها جهات حكومية مختلفة على المستثمرين والشركات، بضريبة إضافية موحدة تُحتسب كنسبة من صافي الربح. هذا التوجه، الذي يهدف ظاهريًا إلى تخفيف الأعباء الإدارية وتوحيد جهة التحصيل، أثار نقاشًا واسعًا بين خبراء الضرائب والاقتصاد حول جدواه الفعلية وتداعياته المحتملة على مناخ الاستثمار والاقتصاد الكلي.

جاذبية التوحيد وتحدياته الكامنة

لا شك أن تعدد الرسوم في مصر وتنوع الجهات القائمة على تحصيلها يمثل أحد أبرز التحديات الهيكلية التي تواجه المستثمرين في مصر، سواء المحليين أو الأجانب. فالتشتت بين جهات مختلفة، وغياب الشفافية أحيانًا في أسس حساب هذه الرسوم، يضيف عبئًا إداريًا وزمنيًا كبيرًا، ويعيق القدرة على التخطيط المالي الدقيق للشركات. من هذا المنطلق، يبدو مقترح توحيد هذه الالتزامات المالية تحت مظلة ضريبية واحدة، تُحصّل من قبل مصلحة الضرائب، خطوة منطقية نحو التبسيط والشفافية.

وقد أشار السيد أشرف العربي، رئيس مصلحة الضرائب الأسبق، إلى إيجابية فكرة توحيد جهة التحصيل كخطوة أولى نحو معالجة هذا التحدي المزمن. ومع ذلك، شدد العربي، ومعه خبراء آخرون، على أن جاذبية التبسيط لا يجب أن تحجب ضرورة إجراء "دراسة اقتصادية شاملة" لتقييم الأثر الفعلي لهذا التحول الجوهري. فالمقارنة مع النظم الضريبية ورسوم الخدمات في الأسواق المنافسة إقليميًا ودوليًا أمر حاسم لتحديد ما إذا كان هذا التغيير سيصب فعلًا في صالح تعزيز القدرة التنافسية لمصر كوجهة استثمارية.

الفارق الجوهري بين الرسم والضريبة وتأثيره

يكمن أحد أهم محاور النقاش في الاختلاف الجوهري بين طبيعة "الرسم" و"الضريبة". فالرسوم، مهما تعددت، تُعتبر في العرف المحاسبي والضريبي "تكلفة تشغيلية" تُخصم من الإيرادات قبل الوصول إلى صافي الربح الخاضع للضريبة (الوعاء الضريبي). أما الضريبة الإضافية المقترحة، كونها نسبة من صافي الربح، فهي لا تُعتبر تكلفة قابلة للخصم.

وهنا تبرز المخاوف التي عبر عنها خبير ضريبي (فضل عدم ذكر اسمه)، حيث أوضح أن هذا التحول قد يؤدي، بشكل غير مباشر، إلى زيادة العبء الضريبي الفعلي على الشركات. فعلى الرغم من اختفاء الرسوم كبنود منفصلة، فإن عدم القدرة على خصم قيمتها (المُعادلة الآن كضريبة إضافية) من الوعاء الضريبي قد يرفع من قيمة الضريبة النهائية المستحقة. لذا، فإن تحديد "نسبة الضريبة الإضافية" يصبح عنصرًا حاسمًا؛ يجب أن تُحتسب بدقة فائقة لتعكس متوسط قيمة الرسوم الملغاة، مع الأخذ في الاعتبار الأثر الضريبي لعدم قابليتها للخصم، لضمان عدم تحميل المستثمر أعباء إضافية تحت ستار التبسيط.

تحدي تمويل الجهات الخدمية وضمان استدامتها

نقطة أخرى لا تقل أهمية تتعلق بمصير الإيرادات التي كانت تتدفق إلى الهيئات والجهات الحكومية المختلفة (والصناديق الخاصة المرتبطة بها أحيانًا) من خلال تحصيل هذه الرسوم. هذه الإيرادات غالبًا ما تكون مخصصة لتمويل خدمات معينة أو تطوير قطاعات محددة. إن تحويل التحصيل إلى مصلحة الضرائب يتطلب بالضرورة، كما أكد الخبراء، وضع "آلية قانونية وتنظيمية واضحة ومستدامة" لتوزيع الحصيلة الجديدة من الضريبة الإضافية على هذه الجهات.

غياب مثل هذه الآلية قد يؤدي إلى أحد أمرين: إما تعطيل الخدمات التي كانت تمولها تلك الرسوم، أو دفع تلك الجهات إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة، قد يكون من ضمنها زيادة تكلفة الخدمات المقدمة للمواطنين والشركات، مما ينقل العبء بطريقة أخرى. لذا، فإن نجاح المقترح لا يتوقف فقط على التبسيط للمستثمر، بل وأيضًا على ضمان استمرارية وكفاءة تمويل الخدمات العامة المرتبطة.
إن مقترح استبدال الرسوم المتعددة بضريبة إضافية موحدة يمثل توجهًا طموحًا قد يحمل في طياته بذور تبسيط حقيقي للإجراءات أمام المستثمرين. لكن نجاح هذه الخطوة وتحقيقها لأهدافها المعلنة في تحسين مناخ الاستثمار، مرهون بدراسة متأنية ومعمقة تأخذ في الاعتبار كافة الأبعاد: الأثر الاقتصادي الكلي، المقارنة بالأسواق المنافسة، الفروق الفنية بين الرسم والضريبة وتأثيرها على العبء الفعلي، ووضع آلية توزيع محكمة وعادلة للحصيلة الجديدة. بدون هذه الدراسة الشاملة والحوار المجتمعي مع الأطراف المعنية، قد تتحول هذه الخطوة، رغم حسن النوايا، إلى تعقيد جديد أو عبء إضافي غير مقصود. المستقبل القريب سيحدد ما إذا كانت مصر ستنجح في تحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية لبيئة أعمال أكثر جاذبية وكفاءة