في عالمنا الرقمي المتسارع أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءا لا يتجزأ من حياة الملايين حول العالم لم تعد مجرد وسيلة للتسلية بل تطورت لتصبح عوالم افتراضية غامرة ومعقدة لكن هذا التطور حمل معه وجها آخر مقلقا وهو إدمان الألعاب هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على فئة الشباب والمراهقين بل امتدت لتشمل البالغين أيضا مسببة مشكلات حقيقية في حياتهم الاجتماعية والمهنية والشخصية
متى يصبح اللعب إدمانا
من المهم التمييز بين الاستمتاع بالألعاب كهواية وبين الوقوع في فخ الإدمان اللعب العرضي أو المعتدل لا يمثل مشكلة بحد ذاته لكن الخطر يبدأ عندما يتحول هذا اللعب إلى سلوك قهري يسيطر على حياة الفرد عندما تبدأ ساعات اللعب الطويلة في اقتطاع وقت العمل أو الدراسة أو تؤثر سلبا على العلاقات الأسرية والاجتماعية وتتسبب في إهمال الأنشطة الحياتية الضرورية الأخرى هنا يجب أن ندق ناقوس الخطر ونعترف بوجود مشكلة قد تستدعي التدخل
تطور الألعاب من تسلية بسيطة لعوالم غامرة
شهدت صناعة ألعاب الفيديو تطورا هائلا انتقلت من الألعاب البسيطة ذات الرسومات المحدودة والقصص الخطية إلى تجارب تفاعلية فائقة التعقيد تتميز برسومات ثلاثية الأبعاد مذهلة وقصص متفرعة وشخصيات عميقة وعوالم مفتوحة شاسعة هذه العوالم المصممة بإتقان تجذب اللاعبين وتجعلهم يمضون ساعات طويلة أمام الشاشات منغمسين في تفاصيلها وأحداثها المتلاحقة
لماذا لعاب محدودة وأخرى بلا نهاية الفارق الجوهري
يمكن تقسيم الألعاب الإلكترونية بشكل عام إلى نوعين رئيسيين ألعاب محدودة وألعاب لا نهائية الألعاب المحدودة أو النهائية هي تلك التي تمتلك قصة واضحة المعالم لها بداية ونهاية محددة مثل معظم ألعاب المغامرات الفردية عند إكمال اللعبة يشعر اللاعب بالإنجاز ويمكنه تركها والانتقال إلى غيرها دون الشعور بأنه يفوت شيئا مهما
أما الألعاب اللانهائية فهي مصممة لتبقي اللاعب منخرطا فيها لأطول فترة ممكنة ليس لها نهاية واضحة وغالبا ما تعتمد على التنافس بين اللاعبين عبر الإنترنت أو تتضمن محتوى متجددا وتحديثات مستمرة تجعل اللاعب يشعر دائما بأن هناك المزيد لاستكشافه أو تحقيقه
لماذا الألعاب اللانهائية هي الأكثر خطورة
تكمن خطورة الألعاب اللانهائية في تصميمها الذي يهدف إلى الاستمرارية والإبقاء على اللاعبين داخل اللعبة لأطول وقت ممكن هذه الألعاب غالبا ما تستخدم آليات نفسية مدروسة لتعزيز الإدمان ومن أبرز أسباب خطورتها
-
غياب نقطة نهاية محددة لا يوجد شعور بالإنجاز الكامل أو النهاية مما يدفع اللاعب للاستمرار بلا توقف
-
التحديثات والمحتوى المتجدد باستمرار يخلق هذا شعورا بالخوف من فوات الشيء FOMO حيث يشعر اللاعب أنه سيخسر تقدما أو أحداثا مهمة إذا توقف عن اللعب
-
عنصر المنافسة والتفاعل الاجتماعي الألعاب متعددة اللاعبين عبر الإنترنت تضيف ضغطا اجتماعيا للبقاء ومواكبة الأصدقاء أو المنافسين
-
مكافآت مستمرة وعشوائية أحيانا نظام المكافآت المصمم بذكاء يحفز إفراز الدوبامين في الدماغ مما يخلق شعورا بالمتعة والرغبة في المزيد على غرار ما يحدث في القمار
-
الاستثمار العاطفي والوقتي يقضي اللاعبون وقتا طويلا في بناء شخصياتهم أو تقدمهم مما يجعل من الصعب عليهم التخلي عن اللعبة بعد كل هذا الجهد
تصميم الألعاب والإدمان علاقة مدروسة
يجب أن ندرك أن مطوري الألعاب وخاصة تلك التي تندرج تحت فئة الألعاب اللانهائية لا يصممونها لتكون ممتعة فحسب بل يصممونها بوعي لتبقي اللاعبين مرتبطين بها لأقصى درجة ممكنة هم يدرسون علم النفس السلوكي ويوظفون تقنيات مثل حلقات الإلزام loops of compulsion والمكافآت المتقطعة وأنظمة التقدم البطيء لخلق تجربة يصعب مقاومتها الهدف ليس فقط الترفيه بل الإبقاء على اللاعبين كزبائن دائمين
المحرك المالي وراء استمرارية اللعب
لا يمكن إغفال الدافع المالي القوي وراء تصميم الألعاب اللانهائية بهذا الشكل الألعاب التي تستمر إلى ما لا نهاية تتيح للمطورين والناشرين تحقيق تدفق مستمر للإيرادات من خلال نماذج متعددة مثل عمليات الشراء داخل اللعبة microtransactions صناديق الغنائم loot boxes الاشتراكات الشهرية أو بطاقات المعركة battle passes كلما زاد الوقت الذي يقضيه اللاعبون في اللعبة زادت احتمالية إنفاقهم للمال وبالتالي فإن جعل اللعبة إدمانية قدر الإمكان يخدم المصالح المالية للشركات بشكل مباشر
علامات قد تشير إلى وجود مشكلة
من المهم أن يكون الأفراد والمحيطون بهم واعين لبعض العلامات التي قد تدل على أن اللعب تحول إلى إدمان ومنها
-
قضاء وقت أطول من المخطط في اللعب
-
إهمال المسؤوليات الدراسية أو المهنية أو الأسرية
-
الشعور بالضيق أو القلق عند عدم القدرة على اللعب
-
الكذب بشأن مقدار الوقت الذي تقضيه في اللعب
-
فقدان الاهتمام بالهوايات والأنشطة الأخرى
-
العزلة الاجتماعية المتزايدة
-
استمرار اللعب رغم إدراك العواقب السلبية
الوعي هو خط الدفاع الأول
إن فهم الآليات التي تجعل الألعاب وخصوصا الألعاب اللانهائية إدمانية هو الخطوة الأولى نحو التعامل مع هذه المشكلة الوعي بتصميم الألعاب الهادف إلى الإبقاء على اللاعبين والحوافز المالية وراء ذلك يساعد اللاعبين وأولياء الأمور على اتخاذ قرارات مستنيرة ووضع حدود صحية يجب تشجيع اللعب المسؤول والبحث عن التوازن بين العالم الافتراضي والحياة الواقعية لضمان ألا تتحول التسلية إلى قيد يعيق الحياة الطبيعية