افتتحت وزارة الصحة ووقاية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة أمس الأول أول مستشفى ذكي يعمل بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات ضمن مبادرة استراتيجية لتحويل الرعاية الصحية في المنطقة إلى نموذج عالمي، وقد جرى حفل الافتتاح بحضور وزيرة الصحة ووفود رفيعة من خبراء الطب والتقنية وتم إطلاق العمل التجريبي على جناح الطوارئ وغرف العمليات حيث تستقبل الأجهزة الذكية المرضى وتقوم بأنظمة التعرف على الوجوه لتسجيل البيانات الطبية وإجراء الفحوص الأولية عبر روبوتات متنقلة مزودة بأجهزة أشعة سينية ومراقبة حيوية، مما يقلص زمن الانتظار ويزيد من دقة التشخيص ويوفر الأمان اللازم للكوادر الطبية.

 

تستخدم المنظومة التحليل التنبؤي لمعالجة البيانات الضخمة المتدفقة من أجهزة مراقبة المرضى عن بُعد في غرف العناية المركزة وغرف الرقود العادية حيث تراقب معدلات التنفس وضغط الدم ودرجة الحرارة والنشاط الكهربائي للقلب بشكل لحظي، ويتلقى الأطباء تنبيهات فورية عند حدوث أي تغير مفاجئ يهدد حياة المريض مما يساعد على التدخل الطبي السريع وتخفيض نسبة الأخطاء البشرية، وقد صممت البرمجيات خصيصًا لتعليم الذكاء الاصطناعي أساسيات قراءة الصور الطبية مثل الرنين المغناطيسي والمقتطفات الشعاعية لتعزيز قدرته على اقتراح القوائم التفصيلية للفحوصات الإضافية وتوجيه الأطباء إلى الأسباب المحتملة لحالة المريض.

 

بلغت تكلفة إنشاء المستشفى وتجهيزه بأحدث الروبوتات الجراحية وأجهزة التعقيم الذاتي والتخدير الآلي أكثر من مليار درهم إذ تم تمويل المشروع من خلال صندوق الإمارات للابتكار الصحي والشراكة مع شركتين عالميتين متخصصتين في الروبوتات الجراحية وتكنولوجيا التشخيص عن بُعد، ويضم قسم العمليات عدة روبوتات دقيقة قادرة على إجراء عمليات جراحة دقيقة للمسالك البولية وجراحات القلب والأوعية الدموية ما يقلل من آثار التدخل الجراحي ويعجل عملية التعافي، كما تم تشغيل أول وحدة للتخدير الذاتية التي تحسب كميات الأدوية وفق الآلة الحيوية للمريض مما يعزز السلامة الدوائية ويقلل من المضاعفات.

 

يرتبط المستشفى بمنظومة السجلات الصحية الإلكترونية الوطنية التي تدعم التكامل بين المستشفيات الحكومية والخاصة وشبكة الصيدليات ومراكز الرعاية الأولية، وقد أطلقت هيئة تنظيم القطاع الصحي تطبيقًا هاتفيًا يتيح للمرضى حجز المواعيد الافتراضية والتواصل مع الأطباء عبر تقنية الاتصال المرئي المدعومة بالترجمة الفورية بين العربية والإنجليزية ولغات أخرى لضمان سهولة الوصول للخدمات، ويوفر التطبيق معلومات مفصلة عن تاريخ المريض ونوع العلاجات الموصوفة مما يعزز من شفافية الإجراءات وثقة المريض كما يُعدّ خطوة مهمة نحو التحول الرقمي الشامل للقطاع الصحي.

 

فيما يخص الاستدامة البيئية فقد صُمم المبنى وفق معايير المباني الخضراء المعتمدة دوليًا واستخدمت ألواح شمسية عالية الكفاءة لتلبية 40 بالمئة من احتياجات المستشفى الكهربائية وتم تضمين نظام لإعادة تدوير المياه الرمادية من غرف الاستحمام وغسل اليدين لاستخدامها في شبكات التبريد وتوفير مياه الري للمساحات الخضراء المحيطة كما تم اختيار مواد بناء صديقة للبيئة تقلل من استهلاك الطاقة وتخفض الانبعاثات الكربونية بما يدعم أهداف الإمارات للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050.

 

أشادت منظمات صحية دولية بالمبادرة معتبرة إياها نموذجًا رائدًا في دمج التكنولوجيا المتقدمة مع الرعاية الإنسانية المثلى وقد أشار الأطباء المشاركون في المؤتمر المصاحب لافتتاح المستشفى إلى أن الإمارات أصبحت في طليعة الدول المستثمرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي الصحية أمام التحديات المستقبلية مثل الشيخوخة السكانية والأوبئة المحتملة وخشية النقص في الكوادر الطبية البشرية مما يدفع البلدان الأخرى إلى تبني تجارب مماثلة للاستفادة من القدرات التحليلية والوقائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات وتطوير أنظمة رعاية متكاملة.

 

يتطلع القائمون على المشروع إلى توسيع نطاق الخدمات لتشمل العيادات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مختلف الإمارات وتعزيز التعاون مع مؤسسات تعليمية وبحثية لإجراء تجارب سريرية مشتركة على الأدوية الذكية والأنظمة الروبوتية المساعِدة في العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل كما ستبدأ المرحلة الثانية من الخطة بإطلاق مركز للأبحاث التطبيقية في مجالات الطب الدقيق وطب المستقبل يستقطب العلماء والباحثين من مختلف أنحاء العالم لضمان استمرار التطوير والابتكار في الرعاية الصحية الإلكترونية مما يعزز من مكانة الإمارات كمركز عالمي للطب والتكنولوجيا الحديثة.