أعلن مجلس التعاون الخليجي في دورته الطارئة التي عُقدت في الرياض أمس عن إطلاق العملة الرقمية الموحدة الخليجية التي ستضم الريال السعودي والدرهم الإماراتي والدينار الكويتي والريال العماني والريال البحريني بهدف تعزيز التكامل المالي وتسهيل حركة التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، وتم الاتفاق على أن تكون هذه العملة مبنية على تكنولوجيا البلوك تشين لضمان الأمان والشفافية وتتوافق مع المعايير الدولية لأمن المعلومات المصرفية، ويأتي هذا الإعلان في إطار رؤية القادة لدعم التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النقد التقليدي وتعزيز مكانة دول الخليج كمركز مالي رقمي عالمي.
أهداف العملة الرقمية الموحدة
تهدف العملة الرقمية الموحدة إلى تسريع تنفيذ المعاملات المالية العابرة للحدود وتقليل تكاليف التحويلات بين الدول الأعضاء مقارنة بالطرق التقليدية التي تستغرق وقتا أطول وتكلفة أعلى، كما يسعى المجلس من خلال هذه المبادرة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر توفير بيئة دفع إلكترونية ميسرة وجاذبة للاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى تعزيز قدرات المصارف المركزية على متابعة المعروض النقدي والسيطرة على التضخم من خلال برمجيات ذكية تسمح بالتحكم الكمي في السيولة الرقمية المتداولة، مما يساهم في استقرار الأسعار ورفع كفاءة الأسواق المالية.
التقنيات والمنصة الرقمية
اعتمدت المصارف المركزية الخليجية على منصة رقمية موحدة قائمة على البلوك تشين الموزع لتسجيل كافة المعاملات بشكل فوري وآمن، حيث تقوم الشبكة بتشفير كل معاملة وربطها بسجل مشترك متاح للمصارف المركزية لضمان الشفافية ومنع التزوير، وقد جرى تطوير المنصة بالتعاون مع شركات تقنية عالمية رائدة في مجال البلوك تشين وتكنولوجيا دفاتر الحسابات الموزعة، كما روعي في تصميمها دعم التكامل مع حلول المدفوعات العالمية وربطها بمحافظ رقمية محسّنة تتيح للمستخدمين الأفراد والشركات إجراء المدفوعات الداخلية والخارجية بسهولة وسرعة عالية.
التعاون بين المصارف المركزية
تولى المجلس الأعلى للمصارف المركزية في دول الخليج مهمة تنسيق العمل بين الجهات القضائية والتنظيمية لإصدار التراخيص اللازمة للشركات التقنية والمزودين بمزودي خدمات الدفع الإلكتروني، كما تم إنشاء لجنة دائمة تضم ممثلين عن البنوك المركزية لوضع الأطر الرقابية والإشرافية وللتأكد من تطبيق أفضل الممارسات العالمية في مجال العملة الرقمية، إضافة إلى عقد تدريبات وورش عمل مشتركة لتبادل الخبرات وبناء قدرات الموظفين الحكوميين والمصرفيين على إدارة المخاطر التشغيلية والرقمية وضمان جاهزية البنية التحتية للمصارف والمؤسسات المالية.
التأثير الاقتصادي والاجتماعي
يتوقع خبراء الاقتصاد أن يسهم إطلاق العملة الرقمية الموحدة في زيادة معدلات النمو الاقتصادي لدول المجلس بنسبة قد تصل إلى نصف نقطة مئوية سنويا نتيجة تسريع وتيرة التبادل التجاري وتقليل الكلفة التشغيلية للمشروعات، كما يُنمى أن يساهم النموذج الرقمي في دمج آلاف الشباب في الاقتصاد الرسمي من خلال توسيع نطاق الخدمات المالية وتسهيل وصولهم إلى التمويل الرقمي، وقد أبدت الشركات الصغيرة والمتوسطة حماسا لتبني هذه العملة لتعزيز قدرتها التنافسية في أسواق الإقليم والعالم خاصة في القطاعين اللوجستي والتصديري.
التحديات والضوابط القانونية
رغم الفوائد المتوقعة، تواجه المبادرة تحديات عدة منها ضمان حماية خصوصية المستهلكين ومنع استخدام العملة الرقمية في الأنشطة غير المشروعة كغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولذلك نصت الاتفاقيات على اشتراط تطبيق تقنيات مكافحة التزوير المالي ومراقبة العمليات الرقمية واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوكيات المعاملات وكشف أي نشاط مشبوه تلقائيا، كما تشترط اللوائح الجديدة على مزودي الخدمة الرقمية الالتزام بالمعايير الدولية للامتثال المالي وتقديم تقارير دورية للسلطات المختصة مع تجهيز أنظمة دعم فني وطوارئ على مدار الساعة لضمان استمرارية الخدمة.
آفاق المستقبل والتحول المالي
تتجه دول الخليج بعد إطلاق العملة الرقمية الموحدة إلى دراسة إمكانيات ربطها بمبادرات العملة الرقمية للبنك المركزي الأوروبي والدول الآسيوية لتعزيز وصول الشركات الخليجية إلى أسواق جديدة، كما يجري النظر في توسيع نطاق استخدام العملة إلى القطاعات الحكومية مثل دفع الرواتب والمشتريات ومشاريع البنية التحتية الذكية، مع خطة لتقييم الأداء كل ستة أشهر لضمان مرونة السياسة النقدية الرقمية ومواءمتها مع التطورات العالمية في التكنولوجيا المالية، ويأمل القادة في أن تصبح المنطقة نموذجاً أولياً للتحول المالي الرقمي المستدام على مستوى العالم.