قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح إن تصويت برلمان بروكسل بالإجماع على قرار يطالب بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال انتصار للعدالة والحق، وأكد أن هذا الموقف يمثل رسالة واضحة بأن القانون الدولي سيظل السيف الوازن في مواجهة الانتهاكات، مشيراً إلى أن الخطوة تضاف إلى سلسلة خطوات دولية وإقليمية توثق جرائم الاحتلال وتدفع نحو مساءلته والمحاسبة على ما ارتكبه من انتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين .

 

ورأى فتوح أن قرار البرلمان البلجيكي يفتح الباب أمام مزيد من البرلمانات والهيئات التشريعية الأوروبية لاتخاذ خطوات مماثلة، ملمحاً إلى أن العلاقة بين فلسطين وبلجيكا قد تشهد قفزة نوعية في التعاون القانوني والحقوقي خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تزايد ضغوط المجتمع المدني الأوروبي على ممثليها لاتخاذ مواقف أكثر قوة وحسم إزاء ملف الانتهاكات الإسرائيلية، ولفت إلى أن قضية حقوق الإنسان لا تعرف حدوداً وأن أي مظلوم يستحق الدعم مهما بعدت المسافات.

 

وأضاف أن المؤسسات القضائية والأمنية في فلسطين تعمل منذ سنوات على جمع الأدلة والشهادات والوثائق المتعلقة بجرائم الاحتلال، وأن هذه الجهود ستستمر حتى تحقيق العدالة لشهداء وجرحى الحروب والحملات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال، مشدداً على أهمية توحيد الجهود الفلسطينية الرسمية والأهلية لتقوية ملف مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، والعمل على تعميمها في المحاكم الوطنية في مختلف الدول الصديقة والشقيقة، مؤكداً أن الدعم البرلماني الأوروبي يمثل دعماً قوياً لهذه الجهود.

 

وفي ظل ترحيب واسع من مختلف القوى السياسية الفلسطينية بالخطوة البلجيكية، اعتبر العديد من النواب أن التصويت جاء بعد ضغوط ملحوظة من القوى الشبابية والنقابية الأوروبية التي نفذت وقفات ومبادرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، ودعت إلى ترجمة الشعارات إلى أفعال ملموسة على مستوى السياسات الحكومية في الاتحاد الأوروبي، وأشاروا إلى أن تحرك البرلمان البلجيكي قد يشجع برلمانات أخرى على المضي قدمًا في إجراءات قانونية مماثلة، مما يزيد من الضغط على إسرائيل لإنهاء أعمال العنف وفتح قنوات للحوار.

 

من جانبها، رحبت الفصائل الفلسطينية المختلفة بهذا القرار، واعتبرته خطوة في غاية الأهمية لكسر حالة الإفلات من العقاب التي ظل يستفيد منها قادة الاحتلال على مدى عقود، ولفتت إلى أن العدالة الدولية لا تتحقق إلا بإرادة حقيقية من الشعوب والحكومات لدعم الضحايا وملاحقة الجناة، مؤكدين أن القضية الفلسطينية ستبقى حاضرة في الوجدان الأوروبي والعالمي حتى تحقيق حرية واستقلال دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

 

وعلى صعيد التفاعل الرسمي، استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير البلجيكي في تل أبيب واحتجت على قرار البرلمان، ووصفت الخطوة بأنها أحادية الجانب وتفتقر إلى التوازن، وحذرت من أنها قد تضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين، فيما أكدت بلجيكا عبر ناطق باسم وزارة الخارجية أنها تقدر وجهات النظر المختلفة لكنها ملتزمة بقرارات برلمانها، وأن التنفيذ الفعلي لمذكرات التوقيف يتطلب تنسيقًا مع النيابات العامة والمحاكم ذات الاختصاص، وأن الخطوة تأتي في إطار احترام مبدأ استقلالية السلطات التشريعية والقضائية.

 

ومع تصاعد هذه التطورات، يرى محللون سياسيون أن أوروبا بدأت تدرك أن الحل السياسي للأزمة الفلسطينية الإسرائيلية لا يمكن أن يظل معلقًا إلى ما لا نهاية دون التزام بمبادئ القانون الدولي، وأن الخطوات القانونية تشكل غطاءً سياسياً ودبلوماسياً يحول دون الانحياز الأعمى لصالح طرف على حساب الحقوق المشروعة للطرف الآخر، مشيرين إلى أن برلمان بروكسل قد لا يكون الأخير في إطلاق مثل هذه القرارات، بل قد تليه عدة برلمانات في عواصم أوروبية أخرى تضغط نحو مؤتمر دولي جديد للتسوية.

 

في غضون ذلك، شدد عدد من الخبراء القانونيين على أن التحدي الأهم يتمثل في مدى تعاون السلطات البلجيكية والمحاكم في إصدار مذكرات القبض المنفذة التي قد تطال قادة عسكريين وسياسيين إسرائيليين عند زيارتهم الأراضي الأوروبية، مع الإشارة إلى أن هذه الخطوة ستواجه عقبات قانونية ودبلوماسية كبيرة، لكنها ستشكل نقطة تحول في مسار تحريك ملفات الجنائية الدولية ضد انتهاكات حقوق الإنسان في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

ويأتي تصويت برلمان بروكسل وسط موجة متصاعدة من الدعوات الدولية لإعادة إحياء مسار السلام الذي شارف على الجمود منذ عام 2014، فيما يستمر العنف على الأرض بصورة دورية، وتعجز كافة الجهود المبذولة على الصعيدين العربي والدولي عن إحداث اختراق يفضي إلى اتفاق طويل الأجل يضمن أمن إسرائيل ويصون حقوق الشعب الفلسطيني، ويخشى بعض المراقبين من أن تصاعد الخطوات القانونية قد يزيد من حدة التوتر بدل أن يدفع نحو حض الحوار، لكن الجانب الفلسطيني يراها ضرورة قصوى لإنهاء حالة الانتهاك المستمرة.