في أعقاب تواصل القصف المكثف على قطاع غزة، شهدت بروكسل موجة من التصريحات الصادرة عن قادة دول الاتحاد الأوروبي الذين طالبوا بوقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار تمامًا عن المنافذ الإنسانية، وقد أكدت مفوضية الخارجية الأوروبية على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، وحذرت من أن استمرار الحصار يؤدي إلى كارثة إنسانية لا تحتمل، ويعرض المدنيين لخطر مجاعة وأوبئة، مما يستدعي تفعيل آليات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي لثني إسرائيل عن سياساتها الحالية.
أوضح وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، في مؤتمر صحفي عقده ببروكسل، أن تصعيد العمليات العسكرية في غزة ينذر بانهيار شامل للخدمات الأساسية، وأن أفضل سبيل لحماية المدنيين يكمن في رفع الحصار بشكل عاجل، والسماح بوصول المساعدات الطبية والغذائية عبر كافة المعابر دون شروط تعجيزية، مؤكدًا على أنّ بلاده ستدعم أي قرار أوروبي يطال فرض عقوبات انتقائية على المسؤولين عن تعطيل إدخال المساعدات.
تباينت مواقف الدول الأوروبية بين مؤيد لفرض عقوبات على تصدير الأسلحة لإسرائيل، مثل فرنسا وألمانيا، وبين دول أكثر تحفظًا كإسبانيا والبرتغال التي دعت إلى حوار فوري مع السلطات الإسرائيلية قبل أي خطوات عقابية، إلا أن الغالبية اتفقت على ضرورة استخدام بطاقة المساعدات المالية المقررة للفلسطينيين كوسيلة ضغط، بحيث تُعلق تلك الأموال حتى تُرفع القيود عن معابر غزة ويُفتح الباب أمام تدخل إنساني دولي سريع.
رفضت الحكومة الإسرائيلية هذه المطالب الأوروبية، معتبرة أنها تتعارض مع حقّها في الدفاع عن النفس، وأصدرت بيانًا رسميًا رفضت فيه أي ربط بين وصول المساعدات ووقف العمليات العسكرية، مُشيرةً إلى أن الممرات الإنسانية غير المشروطة ستُستغل من قبل “عناصر إرهابية” لتهريب الأسلحة، وأن فتح المعابر يتطلب ضمانات أمنية مشددة، وهو ما اعتبره المراقبون محاولة لتبرير استمرار الحصار على السكان المدنيين.
صار البرلمان الأوروبي لاعبًا فاعلًا في الأزمة، إذ أقرت لجنة الشؤون الخارجية بالإجماع قرارًا يدعو إلى إرسال بعثة مراقبة مستقلة تتولى تقييم الأوضاع الميدانية، والتأكد من وصول المساعدات إلى مستحقيها، فيما أصدرت منظمات حقوقية أوروبية بيانات تدعو إلى إحالة ملف الحصار أمام محكمة العدل الأوروبية للنظر في شرعية القوانين الإسرائيلية المتعلقة بمنع دخول المساعدات.
رغم تباين المواقف، يرجح المتابعون أن الضغوط الأوروبية ستتخذ شكلًا تدريجيًا يبدأ بتعليق بعض الاتفاقيات الأمنية، ويتدرج إلى فرض رسوم جمركية على واردات إسرائيل إلى أوروبا، وفي حال رفضت تل أبيب تلك الإجراءات، قد تُعرض شركات أوروبية وشخصيات إسرائيلية لقرارات حظر سفر وتجميد أصول، ما قد يخلق ديناميكية جديدة للضغط تُجبر إسرائيل على إعادة النظر في سياستها تجاه غزة.
يبقى التحدي الأكبر يكمن في قدرة الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على وحدة الموقف رغم المصالح الاستراتيجية المختلفة لكل دولة عضو، وإلزام إسرائيل بالاستجابة دون المساس بمتطلبات أمنها، وهو ما يستلزم إرادة سياسية أوروبية موحدة وقادرة على التنسيق مع الولايات المتحدة والجامعة العربية لخلق توازن يسمح بوقف النزيف الإنساني وفتح آفاق للتفاوض على هدنة مستدامة.
.