يُعد موقع دير أبو مينا من أهم المواقع الأثرية والتاريخية في مصر، فهو ليس مجرد مكان يحفظ آثارًا قديمة بل هو رمز تاريخي عريق يمتد تأثيره إلى العصور المسيحية الأولى في مصر. يقع دير أبو مينا في صحراء مريوط جنوب غرب الإسكندرية، وقد كان هذا الموقع محطة رئيسية للحج المسيحي بعد مدينة القدس، مما أكسبه أهمية روحية وسياحية كبيرة. منذ إدراجه في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 1979، واجه الموقع العديد من التحديات التي هددت سلامته، لكن جهود وزارة السياحة والآثار المصرية والمشاريع التي نفذتها مؤخرًا نجحت في استعادة جزء كبير من عافيته، وهو ما يفتح الباب أمام رفع الحظر عنه قريبًا.

أهمية موقع دير أبو مينا التاريخية

دير أبو مينا الأثري يمثل مدينة كاملة كانت تُعرف بالمدينة الرخامية لكثرة استخدام الرخام في مبانيها، كما كانت مركزًا للحج المسيحي من القرن الرابع إلى القرن التاسع الميلادي، حيث بُنيت به بازيليكا ضخمة ومساحات مخصصة للحجاج تشمل كنائس، حمامات، بيمارستان (مستشفى) ودور ضيافة. منذ اكتشاف الموقع عام 1905 على يد العالم الألماني كاوفمان، أجريت فيه حفائر مستمرة على يد العديد من الفرق العلمية، مما ساعد في كشف تفاصيل دقيقة عن تاريخ الدير وتطوره، إضافة إلى اكتشاف آثار فخارية وأوانٍ كانت تستخدمها الحجاج.

مشروع الحفاظ على دير أبو مينا وخفض منسوب المياه الجوفية

  • بدأ المشروع عام 2019 بتمويل ذاتي من المجلس الأعلى للآثار بتكلفة 60 مليون جنيه

  • تم حفر 12 بئرًا حول قبر القديس مينا بأعماق بين 35 إلى 50 مترًا

  • تم حفر 57 بئرًا أخرى حول الموقع الأثري ككل وربطها بخطوط طرد المياه بطول 6150 مترًا

  • تعاونت وزارة الري في تطهير المصارف داخل المنطقة وخارجها

  • ساهمت وزارة الزراعة في تحويل نظام الري للأراضي الزراعية المحيطة إلى نظام الري بالتنقيط لتقليل مياه الصرف الزراعي

  • تم التأكد من نجاح المشروع بعد اختفاء المياه الجوفية تمامًا من الموقع الأثري

هذه الإجراءات المكثفة أسهمت في حماية الموقع من التدهور الذي كان يسببه ارتفاع منسوب المياه الجوفية والأملاح، كما ساعدت في تحسين بيئة الموقع للسياح والزوار.

دور دير أبو مينا في التراث المسيحي والمصري

يعتبر دير أبو مينا بقعة مقدسة في التاريخ المسيحي المصري، حيث شهد معجزات كثيرة واحتُفظت فيه رفات الشهيد مار مينا. يزوره المسلمون والمسيحيون على حد سواء، للتبرك بهذا المكان الذي يحمل تاريخًا عريقًا، فقد كان من أبرز مراكز الحج المسيحي في مصر بعد الأراضي المقدسة في فلسطين. كما أن المدينة الرخامية التي كانت تحوي مبانٍ مزينة بالرخام كانت وجهة سياحية هامة على مدار التاريخ، ويشير البابا تواضروس إلى أهمية هذا الموقع كرمز مقدس يجمع بين التراث الديني والثقافي.

يُعَدّ رفع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر خطوة مهمة للحفاظ على هذا الإرث التاريخي العظيم الذي يعكس جزءًا من الحضارة المصرية القديمة وتأثيرها في التاريخ المسيحي. إن جهود وزارة السياحة والآثار المصرية والمشاريع الحديثة في حماية الموقع تشكل نموذجًا ناجحًا للحفاظ على التراث الأثري، مما يعزز مكانة مصر عالميًا ويضمن استمرارية زيارة آلاف الحجاج والسياح من جميع أنحاء العالم، ليشهدوا على عظمة هذه المدينة التي كانت مركزًا للحج والتاريخ والثقافة عبر العصور.