في خطوة تعكس مخاوف متزايدة بشأن الأمن القومي وتنويع سلاسل الإمداد، أعلنت تايوان اليوم الثلاثاء عن نيتها إجراء محاكاة دقيقة لتقييم التأثير المحتمل للرسوم الجمركية الأمريكية على قطاعها الرئيسي في صناعة أشباه الموصلات.
يأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد الحديث عن احتمالية فرض واشنطن رسومًا جمركية على واردات الرقائق الإلكترونية والأدوية، باعتبار أن الاعتماد الكبير على الإنتاج الأجنبي يشكل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد والأمن الأمريكي.
تايوان: العمود الفقري لصناعة الرقائق العالمية
تعد تايوان لاعبًا رئيسيًا عالميًا في تصنيع الرقائق الإلكترونية، حيث تحتضن شركة TSMC (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company) ، أكبر شركة لتصنيع أشباه الموصلات في العالم.
هذه الشركة ليست فقط المورّد الأساسي لشركات تقنية أمريكية عملاقة مثل Apple وNvidia ، بل تعتبر أيضًا شريان الحياة لقطاع التكنولوجيا العالمي. يعتمد الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير على الرقائق التي تصنعها TSMC، مما يجعل أي قرار بفرض رسوم جمركية أو تغيير في السياسات التجارية أمرًا له تداعيات مباشرة على استقرار القطاع التقني العالمي.
وزير الاقتصاد التايواني، كيوو جيه-هوي، أكد أن حكومته ستواصل التواصل مع الولايات المتحدة لضمان بقاء المنافسة عادلة ومنصفة. وأشار إلى أن العلاقة بين القطاع التكنولوجي التايواني ونظيره الأمريكي ليست تنافسية بقدر ما هي تكاملية.
وأوضح أن الحكومة ستجري دراسات محاكاة معمقة لتحديد مدى التأثير الفعلي لأي قرار أمريكي بفرض رسوم، بهدف تقليل الأضرار المحتملة على الاقتصاد التايواني.
الولايات المتحدة: استراتيجية "الرقائق المحلية"
الولايات المتحدة تعمل منذ سنوات على تقليل اعتمادها على الاستيراد في مجال أشباه الموصلات، وبدأت بتنفيذ خطوات جادة لدعم التصنيع المحلي. من أبرز هذه الخطوات قانون الرقائق (Chips Act) ، الذي قدم حوافز مالية ضخمة للشركات لتأسيس مصانع داخل البلاد.
استفادت شركات مثل TSMC وSamsung من هذا القانون، حيث بدأت بتوسيع وجودها في السوق الأمريكي.
على سبيل المثال، أعلنت شركة Nvidia مؤخرًا عن خطط لبناء بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، بتكلفة قد تصل إلى 500 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة. كما أعلنت شركة Apple عن نيتها استثمار نصف تريليون دولار داخل الولايات المتحدة، مما يعكس دعمًا قويًا من الشركات العملاقة للتوجه الأمريكي نحو التصنيع المحلي.
شركة TSMC ، من جانبها، تواصل تعزيز وجودها في الولايات المتحدة، حيث أعلنت مؤخرًا عن استثمار بقيمة 100 مليار دولار في مصانع جديدة. هذا الاستثمار يُضاف إلى التزامات سابقة، مما يجعل الشركة من أهم اللاعبين في تنفيذ الرؤية الأمريكية لتوطين صناعة الرقائق.
استقرار الأسواق وثقة المستثمرين
بالرغم من التوترات المحتملة بسبب السياسات التجارية الجديدة، شهدت الأسواق استقرارًا واضحًا. ارتفعت أسهم TSMC بنسبة 1.4% ، بينما سجل مؤشر السوق التايواني العام زيادة بنسبة 1.8% . هذه البيانات تعكس ثقة المستثمرين في قدرة تايوان على إدارة الأزمة بحكمة ومرونة.
تعكس هذه التحركات استعداد تايوان لمواكبة التغيرات في السياسة الدولية دون التفريط في موقعها القيادي العالمي في قطاع أشباه الموصلات. وعلى الرغم من الضغوط المحتملة الناجمة عن الرسوم الجمركية، فإن تايوان مستمرة في تعزيز شراكاتها الدولية والحفاظ على دورها كقوة رئيسية في سلسلة التوريد العالمية.
التوازن بين التكامل والتوجه المحلي
العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان في قطاع التكنولوجيا تعد مثالًا على التكامل الاقتصادي بين الدول. ومع ذلك، فإن التوجه الأمريكي نحو التصنيع المحلي يتطلب من تايوان إعادة تقييم استراتيجياتها لضمان استمرار نموها الاقتصادي.
من خلال إجراء دراسات محاكاة دقيقة والعمل على الحوار الدبلوماسي، تسعى تايوان إلى الحفاظ على استقرار قطاعها التكنولوجي وتعزيز مكانتها كشريك استراتيجي في السوق العالمي.
في النهاية، يبدو أن المستقبل يحمل تحديات كبيرة لكنه مليء بالفرص أيضًا. ومع استمرار الجهود الرامية إلى تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح الدولية، يمكن لتايوان والولايات المتحدة أن يسهما في دفع عجلة الابتكار التكنولوجي وتحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد العالمي.