شهد المشهد المالي العالمي مؤخرًا جدلًا واسعًا حول مستقبل الدولار الأميركي كمهيمن عالمي، لا سيما بعد تصريحات كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، التي ألمحت فيها إلى إمكانية أن يصبح اليورو بديلًا عمليًا للدولار، في المقابل تسعى الولايات المتحدة لتهدئة التوترات التجارية مع أوروبا عبر تخفيف الرسوم الجمركية، إلا أن الحرب الخفية بين العملتين قد بدأت بالفعل، ومع تراجع حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية وارتفاع اهتمام المستثمرين بالأصول المقومة باليورو، يبرز التساؤل الجاد: هل نشهد بداية تراجع الدولار وصعود اليورو؟
تصريحات لاجارد: لحظة اليورو العالمية
أشارت كريستين لاجارد في محاضرة ألقتها في برلين إلى أن:
-
هناك تغييرات اقتصادية عالمية تفتح الباب أمام لحظة جديدة لليورو
-
أوروبا تحتاج إلى تعزيز بنيتها المالية والأمنية لتحقيق ذلك
-
لن يكتسب اليورو النفوذ تلقائيًا بل يجب أن يعمل عليه التكتل الأوروبي
-
لا بد من وجود سوق رأس مال أوسع وأكثر سيولة
-
يجب تحسين الأطر القانونية والتجارية للقارة الأوروبية
ترى لاجارد أن اللحظة مؤاتية لكن تتطلب إصلاحات جذرية ومستمرة داخل الاتحاد الأوروبي
تراجع الدولار: إشارات من الاحتياطيات العالمية
وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي:
-
انخفضت حصة الدولار من الاحتياطيات الدولية إلى 58% في عام 2024
-
كانت النسبة تبلغ 70% في عام 2000
-
هذا الانخفاض يعكس تحولًا تدريجيًا في ثقة البنوك المركزية العالمية
ويُعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل منها التقلبات السياسية الأميركية وتنامي الشكوك حول استقرار الدولار على المدى الطويل
تطور مكانة اليورو في الاحتياطيات
أما اليورو فقد شهد نمواً بطيئًا لكن ثابتًا:
-
بلغت حصته 20% في عام 2024
-
ارتفعت من 18% في عام 2000
-
بلغت ذروتها في عام 2010 بنسبة 26%
هذا النمو يعكس جهود أوروبا لبناء نظام مالي موثوق يمكن أن يحظى بثقة المستثمرين العالميين
تأثير سياسة ترامب وتوتر العلاقات الأوروبية الأميركية
رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي حتى يوليو 2025، إلا أن:
-
الخبراء يشككون في استدامة التهدئة التجارية
-
الطبيعة غير المتوقعة لإدارة ترامب تثير قلق المستثمرين
-
تزيد هذه السياسة من فرص أوروبا في جذب الاستثمارات
ويبدو أن بروكسل تستفيد من هذه الثغرات لتعزيز مكانة اليورو كبديل قابل للنمو
تصريحات أوروبية تؤكد توجه المستثمرين نحو اليورو
أشار العديد من المسؤولين الأوروبيين في اجتماعات صندوق النقد الدولي إلى:
-
اهتمام متزايد من المستثمرين بالأصول المقومة باليورو
-
استقرار القارة الأوروبية والالتزام بسيادة القانون كعوامل جذب قوية
-
أن الطلب على هذه الأصول قد يكون بداية تحول طويل الأجل وليس مجرد إعادة توازن مؤقتة
تصريحات المفوض الأوروبي فالديس دومبروفسكيس عززت هذه الرؤية وثقة الأسواق بالأداء الأوروبي المستقر
للإجابة على التساؤل هل يمكن أن يحل اليورو محل الدولار؟ رغم أن الدولار لا يزال يحتفظ بموقع الصدارة عالميًا، إلا أن تطورات المشهد الاقتصادي والسياسي تشير إلى تحولات قد تُعيد توزيع النفوذ بين العملات الكبرى، تصريحات لاجارد تمثل دعوة جريئة لتفعيل إمكانات اليورو، وبين ضعف الدولار وتصاعد الثقة بالأصول الأوروبية، قد نكون بالفعل أمام بداية عصر جديد تتغير فيه قواعد اللعبة المالية الدولية تدريجيًا، غير أن هذا التحول يتطلب إصلاحات فعلية والتزامًا أوروبيًا مستمرًا لكسب هذا الرهان العالمي