في مشهد أعاد إلى الأذهان تفاصيل ليلة نهائي الكونفدرالية الإفريقية 2024 بين الزمالك ونهضة بركان، تكررت العشوائية مرة أخرى خلال حفل تتويج النادي الأهلي بلقب الدوري المصري الممتاز، الذي أُقيم مساء الأحد على استاد القاهرة الدولي عقب فوز المارد الأحمر على فريق فاركو بسداسية نظيفة، في ختام منافسات البطولة.
طغت العشوائية وسوء التنظيم على حفل تتويج الأهلي بدرع الدوري المصري الممتاز على طريقة نهائي الكونفدرالية العام الماضي
ورغم الأداء الاستثنائي الذي قدمه الأهلي، وضمانه تتويجًا مستحقًا بالدرع رقم 45 في تاريخه، إلا أن مشاهد الفوضى التي رافقت لحظة التتويج أثارت استياء الجماهير والمتابعين، خاصة في ظل تكرار مثل هذه الحوادث على نفس الملعب وفي مناسبات كبرى كان من المفترض أن تعكس صورة احترافية للكرة المصرية.
تتويج دون هيبة
لم تمر لحظة التتويج بسلاسة، إذ شهدت المراسم دخولًا عشوائيًا لعناصر متعددة إلى أرض الملعب دون أي تنظيم أو ترتيب واضح، كما غابت السيطرة الأمنية على المنطقة المخصصة للاحتفال. العشوائية امتدت إلى توزيع الميداليات، حيث لم يكن هناك تنسيق زمني أو مكاني واضح بين مسؤولي الاتحاد المصري لكرة القدم والمنظمين.
المشهد بدا أشبه بتجمهر جماهيري على أرضية الملعب أكثر منه مراسم تتويج منظمة لبطل الدوري المصري، أحد أقدم وأهم البطولات في القارة الإفريقية.
وقد ظهر بعض اللاعبين والجهاز الفني في حالة من الحيرة، بينما حاول البعض انتزاع لحظة احتفال فردية وسط الزحام، في ظل غياب أي رؤية إخراجية أو هندسة ميدانية لمراسم التتويج.
تكرار مأساوي لمشهد نهائي الكونفدرالية
الواقعة أعادت للأذهان ما حدث في نهائي بطولة الكونفدرالية الإفريقية الذي أُقيم قبل أشهر قليلة على نفس الملعب، وشهد تتويج الزمالك بعد فوزه على نهضة بركان المغربي، والذي صاحبه هو الآخر حالة من الفوضى والتخبط، سواء في التنظيم الإعلامي أو في التعامل مع دخول الضيوف ومسؤولي الفريقين.
وتؤكد هذه التكرارات المتقاربة وجود خلل هيكلي في إدارة الفعاليات الرياضية الكبرى، خاصة أن استاد القاهرة هو الملعب الرسمي والأهم في مصر، ويفترض أن يكون مجهزًا لاستقبال أحداث على مستوى قاري ودولي.
الإنجاز داخل الملعب لا يكتمل خارجه
الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي قدّم أداءً كبيرًا في المباراة النهائية، وتوّج موسمه برباعية تاريخية لنجمه وسام أبو علي، بالإضافة إلى أهداف من حسين الشحات وإمام عاشور، لكن هذا الأداء لم يُكلل باحتفالية تليق بما قدمه الفريق.
الجماهير التي حضرت اللقاء من المدرجات أو شاهدته عبر الشاشات كانت تنتظر لحظة تتويج تُعبّر عن قيمة الدوري المصري وتاريخ الأهلي العريق، لكن ما حدث جاء مخيبًا للآمال، بل ودفع البعض لطرح تساؤلات جادة حول مدى جاهزية الاتحاد المصري لكرة القدم لتنظيم بطولات أكبر مستقبلًا.
أصوات تطالب بالمساءلة والمحاسبة
لم تتأخر ردود الأفعال، فقد خرجت العديد من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد التنظيم العشوائي للحفل، ودعت إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى.
بعض النقاد الرياضيين وصفوا المشهد بأنه "تشويه متعمد لصورة الدوري المصري"، فيما أشار آخرون إلى أن غياب لجنة مستقلة مختصة بتنظيم مراسم التتويج هو السبب الرئيسي لما جرى.
وطالب البعض بضرورة الاستعانة بشركات تنظيم محترفة تكون مسؤولة عن الجانب اللوجستي والاحتفالي، كما هو الحال في البطولات الأوروبية والأفريقية الكبرى، حيث تنفذ مراسم التتويج وفق جدول زمني دقيق وتخطيط بصري مدروس.
غياب التخطيط وثقافة التنظيم
المشهد العام في استاد القاهرة يعكس أزمة أعمق تتجاوز حدود مباراة أو بطولة واحدة، وهي أزمة غياب ثقافة التنظيم والتخطيط المسبق، وهي واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الرياضة المصرية في السنوات الأخيرة، سواء على مستوى المباريات المحلية أو المناسبات القارية.
ورغم النجاحات الفنية للأندية المصرية وعودة فرق مثل الأهلي والزمالك للمنافسة الإفريقية بقوة، إلا أن غياب الصورة الاحترافية في لحظات التتويج يضر كثيرًا بقيمة هذه الإنجازات، خاصة في ظل اهتمام الجماهير العالمية بمثل هذه اللحظات، التي عادة ما تُوثَّق وتُسترجع في المناسبات الكبرى.
دعوات للإصلاح واستعادة الهيبة
لا يمكن فصل الجانب التنظيمي عن النجاح الرياضي، ولذلك فإن ما حدث خلال تتويج الأهلي يجب أن يكون نقطة بداية لإعادة تقييم شاملة لطريقة تنظيم البطولات والمناسبات الكروية في مصر.
المطلوب ليس فقط مساءلة من تسببوا في هذه الفوضى، بل وضع خطة استراتيجية لتطوير البنية التحتية التنظيمية، تشمل تدريب الكوادر وتحديد المهام بدقة، وتفعيل بروتوكولات احترافية لكل حدث رياضي.
إذا كانت الكرة المصرية تطمح للعودة إلى الواجهة القارية والدولية، فلا بد من الارتقاء بكل التفاصيل، لا سيما تلك التي تُعرض على العالم وتُشكل انطباعه الأول عن مستوى الاحتراف في مصر.
ما حدث في استاد القاهرة ليلة تتويج الأهلي لا يجب أن ينسى أو يعتبر تفصيلاً صغيرًا، بل هو جرس إنذار يجب التعامل معه بجدية.
إنجاز الأهلي الكبير داخل الملعب كان يستحق أن يُتوج بمشهد يليق بتاريخه وإنجازاته، لا بفوضى تسيء للمنظومة ككل إذا لم تتم معالجة هذه الظواهر سريعًا، فإن الصورة الذهنية عن الكرة المصرية ستظل مرتبطة بالعشوائية، مهما تحقق من بطولات.