في تطور درامي ومفاجئ، أعلنت المحكمة الجنائية الثالثة في سان إيسيدرو بالأرجنتين إلغاء محاكمة الفريق الطبي المتهم بالتسبب في وفاة أسطورة كرة القدم دييغو مارادونا، وذلك بعد جدل واسع أثارته مشاركة إحدى القاضيات في إعلان وثائقي عن القضية، الأمر الذي اعتبرته المحكمة خرقًا جسيمًا لمبادئ العدالة وحياد القضاء.

 

الغاء محاكمة الفريق الطبي المتهم في وفاة مارادونا بعد "فضيحة قضائية" تهز الأرجنتين

وقبل أقل من 24 ساعة على انطلاق جلسات المحاكمة التي كانت منتظرة منذ أشهر، ظهرت القاضية جولييتا ماكنتاش في إعلان تشويقي لمسلسل وثائقي مؤلف من ست حلقات عن القضية، يتضمن مشاهد لها وهي تراجع مستندات من ملف المحاكمة، ولقطات من داخل المحكمة، وحتى تسجيل لمكالمة الطوارئ التي أُجريت يوم وفاة مارادونا.

 

هذا الظهور "غير المهني" تسبب في تعليق فوري للجلسات، قبل أن يُعلن لاحقًا بطلان الإجراءات بالكامل، مما أوقف مؤقتًا محاكمة كانت قد تجذب اهتمامًا عالميًا.

 

الشرطة تصادر الأدلة والمحكمة تصدر قرارًا بالإلغاء

بناءً على أوامر من هيئة الادعاء، قامت الشرطة خلال الأسبوع الماضي بمداهمات استهدفت الجهة المنتجة للإعلان الوثائقي، وتم مصادرة نسخ من المواد المصورة، بما فيها الإعلان التشويقي المثير للجدل وتأكد أن بعض اللقطات تم تصويرها دون إذن رسمي من داخل المحكمة، مما شكل تجاوزًا قانونيًا صريحًا.

 

وعلى خلفية الجدل المتصاعد، قدمت القاضية ماكنتاش استقالتها من منصبها القضائي، في محاولة لتخفيف الضغط عن المؤسسة القضائية، تاركة هيئة المحكمة مكوّنة من عضوين فقط: ماكسيميليانو سافارينو وفيرونيكا دي توماسو.

 

وخلال جلسة صباح الخميس، أعلن القاضي سافارينو قرار إلغاء المحاكمة رسميًا، موضحًا أن "المحكمة تصرفت بمسؤولية كاملة باستثناء طرف واحد، تم عزله لاحقًا"، وأضاف: "نرى أن هذه القضية يجب أن تُعاد أمام محكمة جديدة تتوفر فيها ضمانات الحياد الكامل".

 

انهيار عاطفي لأسرة مارادونا

في مشهد مؤثر داخل قاعة المحكمة، لم تتمالك دالما وجيانينا مارادونا، ابنتا دييغو مارادونا، دموعهما فور إعلان إلغاء المحاكمة، وانهارتا تعبيرًا عن خيبة أملهما، بعد سنوات من الانتظار، كانت العائلة تأمل فيها بمحاسبة المتسببين في وفاة والدهم الذي رحل في ظروف غامضة أثارت تساؤلات داخل وخارج الأرجنتين.

 

خلفية القضية: مارادونا بين الإهمال والقرار الشخصي

كان مارادونا قد توفي في نوفمبر 2020 عن عمر ناهز 60 عامًا، إثر نوبة قلبية أثناء تعافيه في منزله في بوينس آيرس بعد خضوعه لعملية جراحية دقيقة لإزالة جلطة دموية في الدماغ.

 

وفور وفاته، فتحت السلطات القضائية تحقيقًا موسعًا، شمل سبعة من أفراد الطاقم الطبي، من بينهم جراح الأعصاب الخاص به، أطباء، ممرضون، وأعضاء إداريون.

 

النيابة العامة وجهت لهم تهمة القتل غير العمد نتيجة الإهمال الطبي الجسيم، معتبرة أن قرار السماح له بالتعافي في المنزل، في ظل حالته الصحية الحرجة، هو مخالفة فادحة للبروتوكولات الطبية، أدت إلى وفاته.

 

وكانت النيابة تطالب بعقوبات قد تصل إلى 25 عامًا من السجن بحق بعض المتهمين، إذا ثبتت إدانتهم بالإهمال الطبي الجسيم المؤدي إلى الوفاة.

 

لكن الفريق القانوني للدفاع، وكذلك بعض أفراد الطاقم الطبي، أكدوا أن مارادونا رفض الالتزام الكامل بالخطة العلاجية، وأصر على البقاء في منزله بدلًا من متابعة العلاج في المستشفى، مما أضعف موقف الادعاء جزئيًا.

 

شهادة جيانينا... والبعد الإنساني للقضية

ضمن سياق القضية، أدلت جيانينا مارادونا، بشهادة عاطفية في جلسة سابقة، أكدت فيها أن والدها كان يعيش في "مكان مظلم وقبيح ووحيد"، وأن الطاقم الطبي أهمل رعايته وكان أكثر تركيزًا على الجوانب المادية بدلًا من الاهتمام الحقيقي بحالته الصحية.

 

شهادتها كانت من بين النقاط التي أعادت تسليط الضوء على ظروف وفاة مارادونا، ورفعت من حدة المطالب بمحاسبة من تسبب في وفاته، ولو بشكل غير مباشر.

 

القضية أمام إعادة المحاكمة... ولكن متى؟

القرار الصادر عن المحكمة بطلان المحاكمة لا يعني إسقاط التهم أو انتهاء الملف، بل تمهيدًا لإعادة المحاكمة أمام هيئة قضائية جديدة أكثر استقلالية غير أن ذلك قد يتطلب شهورًا أو حتى سنوات بالنظر إلى الإجراءات المعقدة المرتبطة بانتقال الملف، والاستئناف المتوقع من بعض الأطراف.

 

الضغوط الشعبية والإعلامية على القضاء الأرجنتيني ما تزال قوية، وسط دعوات باستعادة الثقة في العدالة، وضمان محاكمة شفافة تكشف الحقيقة كاملة حول وفاة أحد أعظم لاعبي كرة القدم عبر التاريخ.

 

في وقت لا تزال فيه جماهير كرة القدم حول العالم تتذكر سحر دييغو مارادونا داخل الملاعب، تبقى قصته الأخيرة بعد الاعتزال محاطة بالغموض والأسى وبين محاكمة ملغاة، وقضاة متهمين بانتهاك الحياد، وأسرة تبحث عن عدالة مفقودة، يتجدد السؤال: هل سيحصل مارادونا أخيرًا على العدالة التي يستحقها؟