منذ اندلاع الصراع الأخير في غزة، تتصاعد الدعوات لوقف إطلاق النار، وتتعدد المبادرات التي تهدف إلى تحقيق الهدنة. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، يبرز اسم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، كمحرك محتمل لمقترح جديد للتهدئة. ومع ذلك، يكتنف هذا المقترح الكثير من الغموض والتساؤلات، مما يثير الشكوك حول طبيعته وأهدافه الحقيقية. هل هي فرصة حقيقية نحو تسوية مستدامة، أم مجرد فخ سياسي يهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية؟

اللاعبون الإقليميون والدوليون

إن أي مبادرة للتهدئة في غزة لا يمكن أن تنجح دون مشاركة فاعلة من الأطراف الإقليمية والدولية المعنية. فمصر، على سبيل المثال، تلعب دوراً تاريخياً في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولها مصالح استراتيجية مباشرة في استقرار الأوضاع في القطاع. كما أن للولايات المتحدة، باعتبارها الحليف الأقوى لإسرائيل، نفوذاً كبيراً يمكن أن تستخدمه للضغط على الطرفين للوصول إلى اتفاق. بالإضافة إلى ذلك، فإن دور الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يقل أهمية، حيث يمكنهما تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي اللازم لإعادة إعمار غزة وتحسين الظروف المعيشية للسكان. غياب التنسيق أو وجود أجندات متضاربة بين هؤلاء اللاعبين قد يعرقل أي جهود للتهدئة.

التحديات والعقبات

تواجه أي هدنة محتملة في غزة العديد من التحديات والعقبات. فمن جهة، هناك الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي حماس وفتح، والذي يعيق أي جهود لتوحيد الموقف الفلسطيني والتفاوض بصوت واحد. ومن جهة أخرى، هناك تصلب المواقف الإسرائيلية ورفضها تقديم تنازلات حقيقية للفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة يفاقم الأزمة الإنسانية ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار. لا يمكن تحقيق هدنة مستدامة دون معالجة هذه القضايا الجوهرية. يجب أن تتضمن أي اتفاقية رفع الحصار، وإعادة إعمار غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وتهيئة الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات السياسية.

ترامب والعودة إلى المشهد

يثير تدخل ترامب المحتمل في هذا الملف تساؤلات مشروعة حول دوافعه وأهدافه. فخلال فترة رئاسته، اتخذ ترامب مواقف منحازة بشكل كبير لإسرائيل، وقام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. هذه المواقف أثارت غضب الفلسطينيين وقوضت فرص السلام. فهل يسعى ترامب الآن إلى تلميع صورته وتحقيق مكاسب سياسية من خلال الترويج لمبادرة للتهدئة في غزة؟ أم أنه يسعى حقاً إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصداقية أي مقترح يطرحه.

الخلاصة: الحذر مطلوب

في الختام، يجب التعامل بحذر شديد مع أي مقترح للتهدئة في غزة يحمل اسم ترامب. فالتاريخ يشهد على أن سياساته في المنطقة كانت غالباً ما تخدم مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين. يجب على الأطراف المعنية، وخاصة الفلسطينيين، أن يكونوا حذرين ويطالبوا بضمانات حقيقية قبل الموافقة على أي اتفاق. يجب أن تتضمن أي هدنة رفع الحصار، وإعادة إعمار غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وتهيئة الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات السياسية. وإلا، فإن أي مقترح للتهدئة سيكون مجرد فخ سياسي لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع والمعاناة.