في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً واسعاً، أعلنت الحكومة السويسرية عن اتخاذها إجراءات لإغلاق مكتب "مؤسسة غزة الإنسانية" الموجود في جنيف. يأتي هذا القرار في ظل تزايد الضغوط الدولية على المنظمات التي يُزعم ارتباطها بحركات أو جماعات تعتبرها بعض الدول إرهابية. على الرغم من عدم وجود معلومات محددة متاحة حول الأسباب المباشرة لهذا الإجراء، إلا أن التكهنات تشير إلى وجود مخاوف تتعلق بالشفافية المالية والرقابة على مصادر التمويل الخاصة بالمؤسسة، بالإضافة إلى طبيعة الأنشطة التي تقوم بها في جنيف. هذا القرار يسلط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجهها المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق الصراع، والتي غالباً ما تجد نفسها في مرمى الاتهامات والتحقيقات بسبب حساسيات سياسية وأمنية.
تأسست "مؤسسة غزة الإنسانية" بهدف تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لسكان قطاع غزة المحاصر، والذين يعانون من ظروف معيشية صعبة نتيجة للصراعات المتكررة والقيود المفروضة على الحركة والوصول. عملت المؤسسة على توفير المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تحسين البنية التحتية والظروف المعيشية في القطاع. ومع ذلك، واجهت المؤسسة اتهامات متكررة بالتحيز والارتباط بحركة حماس، الأمر الذي نفته المؤسسة مراراً وتكراراً، مؤكدة على استقلاليتها والتزامها بالعمل الإنساني المحايد. يبقى السؤال المطروح هو، هل سيؤثر هذا الإغلاق على تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وما هي البدائل المتاحة لضمان استمرار تقديم الدعم للمحتاجين؟
القرار السويسري بإغلاق مكتب المؤسسة في جنيف يثير أيضاً تساؤلات حول دور سويسرا كمضيف للمنظمات الدولية والإنسانية. لطالما اعتبرت سويسرا نفسها مركزاً للعمل الإنساني الدولي، حيث تستضيف العديد من المنظمات الأممية وغير الحكومية التي تعمل في مجالات الإغاثة والتنمية وحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن هذا القرار يظهر أن سويسرا لا تتردد في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المنظمات التي تعتبرها مخالفة لقوانينها أو تهديداً لأمنها القومي. من المرجح أن يؤدي هذا الإجراء إلى إعادة تقييم المنظمات الأخرى العاملة في سويسرا، وزيادة التدقيق في مصادر تمويلها وأنشطتها، مما قد يؤثر على البيئة العامة للعمل الإنساني في البلاد.
من المتوقع أن يؤدي إغلاق مكتب "مؤسسة غزة الإنسانية" في جنيف إلى ردود فعل متباينة من مختلف الأطراف. من ناحية، قد ترحب بعض الدول والمنظمات بهذا القرار، معتبرة إياه خطوة ضرورية لمكافحة تمويل الإرهاب وضمان عدم استغلال العمل الإنساني لأغراض سياسية. من ناحية أخرى، قد تنتقد منظمات حقوق الإنسان والجهات الفاعلة الإنسانية هذا الإجراء، معتبرة إياه انتهاكاً لحرية العمل الإنساني وتقويضاً لجهود الإغاثة في غزة. الأثر الفوري لهذا الإغلاق سيكون على قدرة المؤسسة على جمع التبرعات وتنسيق عملياتها الإغاثية من خلال مكتبها في جنيف، مما قد يؤدي إلى تقليص حجم المساعدات التي تصل إلى المحتاجين في غزة.
في الختام، يمثل قرار سويسرا بإغلاق مكتب "مؤسسة غزة الإنسانية" في جنيف تطوراً مهماً يثير تساؤلات حول التوازن بين الأمن القومي والعمل الإنساني، ودور الدول المضيفة في تنظيم ومراقبة أنشطة المنظمات الدولية. يبقى من الضروري إجراء تحقيق شفاف ومستقل في الاتهامات الموجهة إلى المؤسسة، وضمان عدم المساس بحقوق المحتاجين في الحصول على المساعدات الإنسانية. كما يجب على المجتمع الدولي العمل على إيجاد آليات فعالة لضمان وصول المساعدات إلى غزة دون عوائق، مع مراعاة الشفافية والمساءلة في إدارة هذه المساعدات.