أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، اليوم الثلاثاء، عن الانتهاء رسمياً من عمليات التشغيل التجاري للوحدة الثانية في محطة براكة للطاقة النووية الواقعة بمنطقة الظفرة في أبوظبي، وذلك بحضور عدد من الشيوخ والمسؤولين الحكوميين ورؤساء بعثات دبلوماسية وعشرات الخبراء الدوليين والمحليين، وقد بدأ توليد الكهرباء من الوحدة الثانية بشبكة الدولة، مما يرفع إجمالي القدرة المنتجة من المحطة إلى 2800 ميغاواط، بعد سابق تشغيل الوحدة الأولى في مارس 2021، والثالثة والرابعة في عامي 2024 و2025 على التوالي عنوان مرحلة جديدة من الإسهام المستدام في مزيج الطاقة الوطني.
المواصفات الفنية للوحدة الثانية
تم بناء الوحدة الثانية بنظام المفاعلات المائي المضغوط من طراز “APR-1400” الكوري الجنوبي الصنع، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 1400 ميغاواط، كما تمتاز هذه المفاعلات بخصائص أمان متقدمة، تشمل نظام التبريد الطبيعي في حالات الطوارئ، وأنظمة احتواء عزلية متعددة المراحل للحد من أي تسرب إشعاعي، بالإضافة إلى وحدات التحكم الرقمية في نظم المفاعل، وقد خضعت المفاعلات الأربع لعمليات تفتيش واختبارات صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجموعة من الهيئات التنظيمية العالمية قبل إصدار شهادة التشغيل التجاري.
تعزيز الأمن الطاقي والتنويع
تأتي إضافة الوحدة الثانية في إطار استراتيجية الإمارات لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، حيث تهدف الدولة إلى توليد 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر منخفضة الانبعاث الكربوني بحلول عام 2050، ويُعد المشروع النووي واحداً من الأعمدة الرئيسة لهذه الاستراتيجية إلى جانب الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما يُسهم في تعزيز الاستقرار الشبكي والحد من تقلبات أسعار الكهرباء، وهو ما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني والمستهلكين من خلال كلفة طاقة تنافسية ومستقرة.
الأثر البيئي والالتزام بالتنمية المستدامة
أكدت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية أن توليد الكهرباء من المحطة يوفر وفرًا سنويًا يتجاوز 12 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بالمصادر التقليدية، مما يعزز مساهمة الإمارات في تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ وتحقيق الحياد الكربوني، وقد أطلقت المؤسسة بالتزامن مع تشغيل الوحدة حملة توعوية حول أهمية الطاقة النووية السلمية ودورها في حماية البيئة، إلى جانب برنامج رقابة مستمر لمراقبة الإشعاع البيئي وجودة المياه والتربة حول موقع المحطة لضمان سلامة المجتمعات المحلية.
مكانة الإمارات وريادتها الإقليمية
يؤكد خبراء الطاقة أن محطة براكة النووية هي الأولى من نوعها في العالم العربي، مما يضع الإمارات في موقع الريادة الإقليمية في مجال الطاقة النووية السلمية، وقد أشادت دول شقيقة بمستوى الشفافية والتنظيم والالتزام الذي أظهرته الإمارات في تنفيذ المشروع، وأعربت عن رغبتها في الاستفادة من الخبرات الفنية والتدريبية التي توفرها المحطة لخبرائها وطلابها، وذلك من خلال برنامج الشراكات التقنية والبرامج التدريبية المشتركة التي تُقدِّمها المؤسسة مع معاهد وكليات هندسية محلية وعالمية.
الجدول الزمني والمرحلة المقبلة
توقعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية استكمال جميع الخطوات التشغيلية والتصديق النهائي على عمليات المحطة بأكملها خلال النصف الثاني من عام 2025، تمهيداً لدخول الوحدة الرابعة الخدمة التجارية في نهاية العام، كما تُجري تحضيرات للدراسات الأولية حول إمكانية إضافة وحدات مفاعلات جديدة في محطات مستقبلية، بما يدعم خطة الدولة لرفع القدرة النووية إلى 5600 ميغاواط بحلول 2030، مع الاستمرار في تعزيز البنية التحتية والصيانة الدورية والتدريب المتقدم للكوادر الوطنية.
فوائد اقتصادية واجتماعية
يساهم تشغيل الوحدة الثانية في خلق أكثر من 1000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في قطاعات الهندسة والإنشاءات والطاقة، إضافة إلى الآلاف من الفرص في الصناعات المساندة والخدمات اللوجستية، كما يوفر البرنامج النووي فرص تدريب وخبرة مهنية للكوادر الإماراتية الشابة، ويعزز من قدرات البحث والتطوير في مجال الطاقة، حيث يتعاون المركز الوطني للطاقة النووية مع جامعات ومعاهد بحثية لتطوير تقنيات مستقبلية في النظائر الطبية وإعادة التدوير الآمن للنفايات.
خلاصة الواقع وأفق المستقبل
يمثّل تشغيل الوحدة الثانية محطة بارزة في مسيرة الإمارات نحو بناء اقتصاد متنوع ومستدام، ويؤكد على أن الطموح الإماراتي في مجال الطاقة النووية يمتد إلى آفاق بعيدة تشمل الاستخدامات السلمية المتنوعة، مع الحرص على أعلى معايير الأمان والاستدامة، كما يفتح الباب أمام تعاون أوسع بين دول المنطقة لتبادل الخبرات والتكنولوجيا النووية السلمية والتكامل في شبكات الطاقة وتعزيز الأمن