في مغامرة مذهلة أعادت كتابة خرائط الكهوف البريطانية، أعلن فريق من مستكشفي الكهوف عن اكتشاف شبكة ضخمة من الممرات الجوفية تمتد لأكثر من 10 كيلومترات، مخفية منذ عقود تحت غابة دين في مقاطعة غلوسترشير، غرب إنجلترا. ووصف الاكتشاف بأنه واحد من أعظم الاكتشافات الجيولوجية في المملكة المتحدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

 

قاد عملية الاستكشاف تيم نيكولز، فيزيائي متقاعد يبلغ من العمر 60 عامًا، بمساعدة فريق من الهواة المحترفين، منهم دان ساندفورد، ريتشارد نيوهاوس، ومات جونز، الذين كرسوا سنوات طويلة من حياتهم في تتبع الشقوق والفراغات الجوفية الغامضة.

 

تعود جذور المغامرة إلى عام 1990، عندما أشار أحد سكان المنطقة، وهو المستكشف الراحل بول تايلور، إلى وجود تيار هواء خفيف يخرج من فجوة ضيقة بين الصخور وسط الغابة، وهو ما اعتبر حينها دليلاً على وجود فراغ كبير في الأسفل لكن لسنوات، ظل هذا "الهواء الغامض" بلا تفسير واضح.

 

في أغسطس 2024، وبعد أكثر من ثلاثة عقود من المحاولات، نجح الفريق أخيرًا في اختراق الحاجز الصخري الذي أعاق الاستكشاف طويلاً، ليجدوا أنفسهم أمام عالم مذهل تحت الأرض: ممرات شاهقة يبلغ ارتفاع بعضها ما يعادل أربعة طوابق، وصخور بحجم المنازل.

 

وبجانب الحجم الهائل للكهوف، احتوى الاكتشاف على كنوز جيولوجية وعلمية نادرة:

  • بلورات جبسية بأشكال معقدة تتلألأ في الظلام.
  • تكوينات طينية تعود للعصر الجليدي.
  • مستحاثات نادرة مثل قرش متحجر وأمونيتات ومرجان محفوظة بدقة.

 

ويرجح الفريق أن هذه الكهوف قد تكون جزءًا من شبكة أوسع متصلة بنظام كهوف مجاور، وهو ما قد يجعل إجمالي طولها يصل إلى 35 كيلومترًا، ما سيصنفها بين أطول الأنظمة الكهفية في بريطانيا.

 

رغم روعة الاكتشاف، فإن الاستكشاف لم يكن نزهة. فقد أوضح نيكولز أن البيئة تحت الأرض شديدة الخطورة وتتطلب لياقة بدنية عالية وخبرة طويلة فالظروف القاسية، والرطوبة العالية، وضيق بعض الممرات، تجعل من كل خطوة تحديًا، وقد تتحول أبسط الإصابات إلى تهديد حقيقي للحياة.

 

وأضاف نيكولز في تصريحه لصحيفة التايمز: "نكتشف مسارًا جديدًا تقريبًا كل أسبوع... إنها مغامرة مستمرة ولا نعرف إلى أين ستأخذنا".

 

ومن المتوقع أن يدرج هذا الاكتشاف ضمن أهم المواقع الجيولوجية في أوروبا، وربما العالم، نظرًا لتكوينه الفريد وندرة محتوياته. كما عبّر عدد من العلماء عن رغبتهم في إرسال بعثات بحثية علمية لدراسة التكوينات الأحفورية والتاريخ المناخي للمنطقة، بالاعتماد على هذه الكهوف كمصدر مهم للمعلومات.

 

هذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم جيولوجيا المنطقة، كما يشكل تذكيرًا بأسرار الأرض التي لا تزال تنتظر من يكشف عنها. وما بدأ كأسطورة محلية عن "نَفَس يخرج من الصخور" أصبح اليوم واحدًا من أكبر إنجازات استكشاف الكهوف في أوروبا الحديثة.