يقدم خط قطار يامانوتي الدائري في طوكيو أكثر من مجرد وسيلة نقل فهو بمثابة نافذة فريدة على التنوع المذهل الذي تحتضنه العاصمة اليابانية، وتأخذنا الرحلة القصيرة بين محطتي أوكاتشيماتشي ونيبوري الواقعتين في الركن الشمالي الشرقي من هذا المسار الدائري في مغامرة عبر الزمن والأحاسيس، حيث تتجاور أسواق المجوهرات البراقة مع أسواق الطعام الآسيوية الصاخبة وتتعانق ناطحات السحاب الحديثة مع المعابد العريقة التي تفوح منها رائحة التاريخ، في هذه المنطقة تلتقي حيوية الحاضر بعبق الماضي وتنكشف أوجه التناقض الساحرة التي تشكل نسيج طوكيو الفريد مما يجعل استكشافها تجربة لا تُنسى تكشف عن زوايا غير متوقعة في قلب المدينة النابض بالحياة 

رحلة أوكاتشيماتشي وأوينو نبض الحياة والتاريخ

تبدأ رحلتنا في أوكاتشيماتشي وهي منطقة قد لا تحظى بشهرة جادات التسوق الفاخرة العالمية لكنها تحمل لقبا فريدا فهي عاصمة المجوهرات في اليابان، بعيدا عن واجهات العرض البراقة لمتاجر العلامات التجارية الكبرى تصطف هنا عشرات المحلات المتواضعة المتخصصة في بيع وتصنيع وتقييم الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة مقدمة كنوزا حقيقية بأسعار تنافسية، ويتخلل بريق المجوهرات روائح غريبة تأتي من المطاعم الهندية والنيبالية المنتشرة بكثرة في المنطقة خالقة مزيجا حسيا فريدا يجمع بين اللمعان ونكهات الهيل والكركم العطرة، ومن أوكاتشيماتشي ننتقل بسلاسة إلى منطقة أوينو المجاورة عبر شارع أمي يوكوتشو أو "أميوكو" كما يعرف اختصارا، هذا الشارع الذي كان سوقا سوداء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يضج اليوم بالحياة ويعرض تشكيلة مذهلة من المنتجات بدءا من الحلويات والسلع الأمريكية التي اشتهر بها قديما وصولا إلى الملابس الرياضية والمستوردة والأطعمة المجففة والتوابل والمنتجات الطازجة تحت مسارات القطارات المرتفعة، وتجذب أزقة أميوكو الضيقة حشود السياح ولكن كنزا آخر يختبئ تحت الأرض في مبنى مركز أميوكو وهو سوق طعام آسيوي مصغر يعرض الأسماك والأعشاب والتوابل والخضروات من مختلف أنحاء القارة

رحلة كنوز أوينو وذكريات الماضي

تحمل منطقة أوينو تاريخا غنيا يتجاوز صخب أسواقها فهي شاهدة على أحداث مفصلية في تاريخ اليابان وتحتضن كنوزا ثقافية وذكريات مؤثرة

  • معركة أوينو 1868 كانت المنطقة آخر معقل لمؤيدي نظام توكوغاوا الشوغوني الذين قاتلوا ببسالة ضد القوات الإمبراطورية قبل سقوط النظام

  • بوابة الشمال لعبت محطة أوينو منذ افتتاحها عام 1883 دورا حيويا كحلقة وصل رئيسية بين طوكيو والمناطق الشمالية من اليابان وظلت لعقود من أكثر محطات العاصمة ازدحاما

  • البيض الذهبي شهدت المحطة وصول "قطارات التوظيف الجماعي" التي جلبت آلاف الشباب من منطقة توهوكو للمساهمة في النهضة الاقتصادية اليابانية بعد الحرب ولا تزال هناك نصب تذكارية تخلد ذكراهم وقصائدهم وأغانيهم

  • حديقة أوينو واحة ثقافية وطبيعية تضم العديد من المتاحف الهامة والمعارض الفنية وتعتبر متنفسا للعائلات والأزواج والسياح كما أنها للأسف مأوى لعدد كبير من المشردين مما يعكس جانبا آخر من واقع المدينة

  • معبد كانيجي يقع خلف الحديقة مباشرة وهو معبد بوذي كان ذا نفوذ هائل في عهد توكوغاوا ورغم تدميره وإعادة بناء جزء منه فإنه يوفر واحة هدوء غير متوقعة ويستحق الزيارة لمن يبحث عن السكينة بعيدا عن الصخب

تتجلى في أوينو مفارقات طوكيو بوضوح حيث تتعايش حيوية السوق مع هدوء الحديقة الثقافية وتتداخل أصوات الباعة مع أصداء التاريخ، ويعبر جسر الباندا المعلق بين جانبي المحطة رمزا لهذا التنوع حيث يربط بين الحياة اليومية الصاخبة والمساحات الخضراء المخصصة للثقافة والترفيه وحتى للجوء في أوقات الكوارث، وبينما يتجول الزوار بين المتاحف والبرك قد تقع أعينهم على مشهد المشردين الذين يجدون ملاذا في الحديقة وهو تذكير بالتحديات الاجتماعية التي تواجهها المدينة الكبرى، وفي خضم كل ذلك يقف معبد كانيجي بهدوئه المهيب شاهدا صامتا على تقلبات الزمن مقدما ملاذا للتأمل وفرصة فريدة لمشاهدة بانوراما غير مألوفة تجمع بين المقابر والقطارات المارة والفنادق القديمة