رحلتنا على طول خط يامانوتي متجهين شمالا من أوينو لنصل إلى محطة أوغويسوداني وهي محطة تجسد التناقضات بشكل صارخ ربما أكثر من أي محطة أخرى على هذا الخط، فاسمها الذي يعني "وادي طيور العندليب" يستحضر صورا للطبيعة والسكينة لكن واقعها الحالي يقدم مشهدا مختلفا تماما حيث يفصل مسار القطار بين عالمين متناقضين عالم فنادق الحب الصاخب وعالم المقابر الصامت، وتسجل المحطة ثاني أقل عدد من الركاب على خط يامانوتي مما يعكس طبيعتها الفريدة كمنطقة عبور بين الحياة والموت بين الرغبة والسكينة، ومن أوغويسوداني نمضي قدما لاستكشاف سحر ياناكا الهادئ ومدينة نيبوري النابضة بالحرفية

أوغويسوداني وياناكا بين الحياة والموت والسكينة

يكشف المخرج الشمالي لمحطة أوغويسوداني عن أحد أكبر تجمعات فنادق الحب في طوكيو وهو تحول جذري عن ماضي المنطقة كموطن للغيشا ليصبح معقلا للجنس التجاري، وتبدو الأجواء هنا رمادية بعض الشيء تفوح منها روائح المقاهي ومحلات الكباب وتفتقر إلى البريق المعتاد في مناطق أخرى من طوكيو، وعلى النقيض تماما تبدو الجهة المقابلة من المحطة والتي يهيمن عليها الامتداد الشاسع لمقبرة كانيجي هادئة بشكل لافت، وهذا التباين الحاد يجسد ربما نظرية فرويد حول صراع غريزتي الحياة والموت، وبالانتقال من أوغويسوداني إلى المناطق المحيطة مثل ياناكا نجد أنفسنا في منطقة غنية بالمعابد والمقابر، ففي فترة إيدو تم نقل العديد من المعابد الخشبية إلى هذه الأطراف لتقليل مخاطر الحرائق في وسط المدينة ومن المفارقات أنها نجت ليس فقط من الحرائق بل أيضا من زلزال كانتو الكبير عام 1923 والقصف الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لذلك احتفظت ياناكا بالكثير من سحرها التقليدي وأجوائها التاريخية وأصبحت ملاذا للحرفيين والفنانين وأصحاب المتاجر الصغيرة الباحثين عن الهدوء والإلهام بعيدا عن صخب وسط المدينة

استكشاف ياناكا ونيبوري 

تقدم منطقة ياناكا والمناطق المجاورة لها وصولا إلى نيبوري رحلات تجربة فريدة للزائر حيث تتداخل المقابر التاريخية مع الحياة اليومية وتنتشر المعابد العريقة بين الأزقة الهادئة

  • مقبرة ياناكا واحدة من أكبر مقابر طوكيو تمتد على مساحة شاسعة وتفتقر إلى الأسوار الواضحة مما يجعلها تبدو كجزء طبيعي من الحي يستخدمها السكان كطريق مختصر ويتشارك فيها الأحياء والأموات مساحة من الهدوء الفريد

  • سحر ياناكا التقليدي تزخر المنطقة بالمساحات الخضراء الصغيرة وتفوح منها رائحة التراب والزهور بعيدا عن ضوضاء المدينة وتعتبر أزقتها المتعرجة أكثر إثارة للاهتمام من شارع التسوق الشهير ياناكا جينزا أو متحف أساكورا

  • معابد شاهدة على التاريخ يمكن زيارة معبد تينوجي الذي يرحب بزائريه بتمثال بوذا برونزي جالس أو معبد كيوجي الذي لا تزال بواباته الخشبية تحمل ثقوب الرصاص من معركة أوينو عام 1868 كتذكير بالنهاية الدموية لنظام توكوغاوا

  • مدينة نسيج نيبوري بالعبور إلى الجانب الشرقي من محطة نيبوري نجد أنفسنا في عالم مختلف تماما وهو "نيبوري سينغاي" أو مدينة المنسوجات حيث تصطف المحلات التي تبيع كميات هائلة من الأقمشة والأزرار والأشرطة وكل ما يلزم لصناعة الملابس والتصميم

  • نقص المساحات الخضراء يذكرنا الجانب الشرقي من نيبوري بمبانيه الرمادية وأسطحه الصلبة بحقيقة أن طوكيو كمدينة تفتقر نسبيا إلى المساحات الخضراء مقارنة بمدن عالمية أخرى مثل لندن

تعد ياناكا بمثابة جيب زمني في قلب طوكيو الحديثة حيث تتجول في أزقتها الهادئة وتستمع إلى أجراس المعابد وتشاهد المقابر المندمجة مع نسيج الحياة اليومية، إنها تجربة تأملية تعيد الاتصال بتاريخ المدينة المنسي أحيانا، وعند عبور مسارات القطارات في محطة نيبوري ننتقل من هذا الهدوء التاريخي إلى حيوية من نوع آخر في مدينة المنسوجات حيث تنبض المنطقة بنشاط الحرفيين والمصممين والباحثين عن الأقمشة والألوان، وهكذا تنتهي رحلتنا بين أوكاتشيماتشي ونيبوري وقد مررنا بمزيج مدهش من التجارب التي تعكس التنوع الغني والمعقد للعاصمة اليابانية طوكيو