تشهد محافظة السويداء السورية، ذات الأغلبية الدرزية، موجة من الاشتباكات المسلحة العنيفة بين مجموعات مسلحة درزية وأخرى بدوية. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، مما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني المتدهور بالفعل في المنطقة. تعيد هذه الأحداث إلى الواجهة التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها السلطة الجديدة في سوريا، خاصة بعد سنوات من الصراع وعدم الاستقرار منذ الإطاحة بحكم الأسد. وتأتي هذه الاشتباكات في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تعيشها البلاد، مما يزيد من حدة التوترات القائمة ويجعل إيجاد حلول مستدامة أكثر صعوبة. ويُذكر أن السويداء، تاريخيًا، تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي، وهو ما يجعل تدخل الحكومة المركزية لفرض الأمن أمرًا حساسًا ومعقدًا، ويتطلب توازناً دقيقاً بين الحفاظ على النظام واحترام خصوصية المنطقة.
تحركات عسكرية واستعدادات أمنية
أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية اليوم الجمعة أن قوات الأمن تستعد لإعادة الانتشار في مدينة السويداء بهدف فض الاشتباكات الدائرة بين الدروز والعشائر البدوية. وتأتي هذه الخطوة في محاولة لاحتواء العنف المتصاعد ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح. إلا أن إعادة الانتشار هذه قد تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل وجود مجموعات مسلحة متعددة ومتناحرة في المنطقة. من جهة أخرى، أعلنت القبائل العربية في سوريا أمس الخميس النفير العام لنجدة عشائر البدو في محافظة السويداء، واصفة تحركها بأنه رد على الانتهاكات التي تعرضت لها عشائر البدو، بما في ذلك أعمال القتل والتهجير. هذا الإعلان يزيد من تعقيد المشهد، حيث يهدد بتحويل الاشتباكات المحلية إلى صراع أوسع نطاقًا يشمل مناطق أخرى من سوريا. ويجعل هذا التدخل القبلي من الصعب على قوات الأمن السورية تحقيق الاستقرار في المنطقة، حيث ستواجه مقاومة من جهات متعددة.
إسرائيل والتأثير الإقليمي للصراع
في سياق متصل، أثار الدعم الإسرائيلي المحتمل للطائفة الدرزية في سوريا جدلاً واسعاً. فقد صرّح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن إسرائيل "ملتزمة بمنع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا، انطلاقًا من التحالف الأخوي العميق مع مواطنينا الدروز في إسرائيل، وروابطهم العائلية والتاريخية معهم". هذا التصريح يعكس اهتمام إسرائيل بالوضع في السويداء، ويثير تساؤلات حول طبيعة هذا الدعم ومدى تأثيره على الصراع الدائر. تجدر الإشارة إلى أن حوالي 130 ألف درزي إسرائيلي يعيشون في الكرمل والجليل شمال إسرائيل، وهم يتمتعون بوضع خاص داخل المجتمع الإسرائيلي. فعلى عكس الأقليات الأخرى، يُجنّد الرجال الدروز الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1957، وغالبًا ما يترقّون إلى مناصب رفيعة، ويبني الكثيرون منهم مسيرة مهنية في الشرطة وقوات الأمن. هذا الاندماج القوي للدروز في المؤسسات الإسرائيلية يعزز من الروابط بين إسرائيل والطائفة الدرزية في سوريا، ويجعل من الصعب تجاهل الدور الإسرائيلي في هذا الصراع.
الرئيس السوري يؤكد على الثورة والكرامة
أكد الرئيس السورى أحمد الشرع، في كلمة تليفزيونية، الخميس، أن الشعب السوري خرج في ثورة من أجل نيل حريته، فانتصر فيها وقدم تضحيات جسيمة، ولا يزال على أهبة الاستعداد للقتال من أجل كرامته في حال مسّها أي تهديد. وأشار إلى تكليف الفصائل المحلية ومشايخ العقل بحفظ الأمن والاستقرار في المناطق التي تشهد اضطرابات. هذه التصريحات تأتي في وقت تتصاعد فيه التوترات في السويداء، وتعكس رغبة الحكومة السورية في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها. إلا أن قدرة الفصائل المحلية ومشايخ العقل على تحقيق الاستقرار في ظل الظروف الحالية تبقى موضع شك، خاصة مع تدخل أطراف إقليمية ودولية في الصراع. ويتطلب تحقيق السلام والاستقرار في سوريا حوارًا شاملاً يشارك فيه جميع الأطراف المعنية، مع احترام حقوق جميع المكونات السورية.
مستقبل السويداء وسوريا في ظل التحديات الراهنة
إن مستقبل السويداء وسوريا بشكل عام يواجه تحديات كبيرة في ظل استمرار الصراع وتصاعد التوترات. يتطلب إيجاد حلول مستدامة معالجة جذور المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تغذي العنف. يجب على الحكومة السورية أن تعمل على بناء الثقة مع جميع المكونات السورية، بما في ذلك الدروز والبدو، من خلال ضمان حقوقهم وحمايتهم من التمييز والاضطهاد. كما يجب على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم اللازم لسوريا لتحقيق الاستقرار والتنمية، مع احترام سيادتها ووحدة أراضيها. إن تجاهل الوضع في السويداء قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة السورية وزيادة حدة الصراع الإقليمي، مما يستدعي تحركًا عاجلاً ومنسقًا من جميع الأطراف المعنية.