حكم قطع الصلاة الواجبة وحالاته في الإسلام

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وعمود الدين، وأساس العلاقة بين العبد وربه. إنها فريضة عظيمة فرضها الله على المسلمين، وهي من أهم العبادات التي تقرب العبد إلى خالقه. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). ولكن، قد تطرأ ظروف تستدعي التساؤل عن حكم قطع الصلاة الواجبة بعد الشروع فيها. هل يجوز للمسلم أن يقطع صلاته؟ وما هي الحالات التي يسمح فيها بذلك؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال، مستندين إلى آراء الفقهاء وأحكام الشريعة الإسلامية.

حكم قطع الصلاة الواجبة بدون مسوغ شرعي

اتفق الفقهاء على أن قطع الصلاة الواجبة بعد الشروع فيها بدون مسوغ شرعي أمر غير جائز. وذلك لأن قطع الصلاة بدون سبب معتبر شرعًا يعتبر عبثًا يتنافى مع حرمة العبادة، وورد النهي عن إفساد العبادات في الشريعة الإسلامية. قال الله تعالى: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ). فالصلاة هي لقاء مع الله، وهي عهد بين العبد وربه، وقطع هذا العهد بدون عذر شرعي يعتبر إخلالًا بهذا العهد وتضييعًا لحق الله.

حالات يجوز فيها قطع الصلاة

على الرغم من أن الأصل هو عدم جواز قطع الصلاة الواجبة، إلا أن الشريعة الإسلامية السمحة قد رخصت في قطعها في بعض الحالات الضرورية التي تقتضي ذلك. هذه الحالات تندرج تحت قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، أي أنه إذا تعارضت مصلحة إتمام الصلاة مع مفسدة أخرى أكبر، فإن درء المفسدة أولى. ومن هذه الحالات: قطع الصلاة لقتل حية أو عقرب، وذلك للأمر بقتلهما في الشريعة الإسلامية، ولأنهما يشكلان خطرًا على المصلي وعلى غيره. أيضًا، يجوز قطع الصلاة خوفًا من ضياع مال له قيمة، سواء كان هذا المال للمصلي أو لغيره، وذلك لأن حفظ المال من الضياع يعتبر مصلحة معتبرة شرعًا. ومن الحالات الأخرى إغاثة الملهوف، كإنقاذ شخص من الغرق أو الحريق، أو مساعدة شخص تعرض لاعتداء، وذلك لأن إنقاذ حياة الإنسان يعتبر من أعظم المقاصد الشرعية. كما يجوز قطع الصلاة لتنبيه غافل أو نائم قصدت إليه حية، إذا لم يكن بالإمكان تنبيهه بالتسبيح أو بالتصفيق، وذلك لدرء الخطر عنه.

حكم قطع صلاة الفريضة لأمر مهم

أفتت دار الإفتاء المصرية بأنه إذا كانت الصلاة فرضًا، فإن قطعها للأمور المهمة والمصالح المعتبرة التي لا يمكن تداركها جائز شرعًا، سواء كانت هذه الأمور دينية أم دنيوية. بل قد يصل الأمر إلى حد الوجوب إذا تعلق بإنقاذ غريق أو إغاثة ملهوف. أما إذا كان الأمر يسيرًا أو كان يمكن تداركه ولو بتخفيف الصلاة، فلا يجوز قطعها. واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري وأحمد وابن خزيمة والحاكم عن الأزرق بن قيس قال: "كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على حرف نهر إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها...". وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه بابًا سماه (باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة). وقال ابن بطال المالكي: "ففي هذا حجة للفقهاء في أن كل ما خُشِيَ تلفُه؛ مِن متاع، أو مال، أو غير ذلك من جميع ما بالناس الحاجة إليه، أنه يجوز قطع الصلاة وطلبه، وذلك فى معنى قطع الصلاة لهرب الدابة".

قطع الصلاة لإنقاذ النفس المعصومة

أما قطع الصلاة من أجل إنقاذ النفس المعصومة فهو واجب يأثم تاركه. قال الإمام العز بن عبد السلام الشافعي: "تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلاة؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة. ومعلوم أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك". فالخلاصة أن الصلاة هي فريضة عظيمة يجب المحافظة عليها، ولكن في الوقت نفسه، يجب على المسلم أن يكون واعيًا بمسؤولياته تجاه مجتمعه وأفراده، وأن يقدم إنقاذ الأرواح ودرء المفاسد العظيمة على إتمام الصلاة، مع الحرص على قضائها بعد ذلك.