نشرت دراسة حديثة في مجلة الهندسة تقدم نهجا مبتكرا في مجال الذكاء الاصطناعي يستلهم طريقة عمل الذاكرة لدى البشر تهدف هذه المقاربة الطموحة إلى تجاوز القيود الكبيرة التي تواجه النماذج اللغوية واسعة النطاق الحالية مثل تشات جي بي تي ممهدة الطريق نحو تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة وذكاء من الناحية المعرفية وقادرة على التعلم والتكيف بشكل يشبه القدرات البشرية إلى حد ما مما يفتح آفاقا جديدة لتطبيقات أكثر تطورا وفعالية
تحديات الذكاء الاصطناعي الراهنة وقيود النماذج الكبيرة
على الرغم من الأداء المثير للإعجاب الذي أظهرته النماذج اللغوية الكبيرة في تطبيقات متنوعة إلا أنها تعاني من قيود جوهرية تحد من قدراتها تشمل هذه القيود متطلباتها الهائلة من حيث حجم البيانات وقوة الحوسبة اللازمة لتدريبها وتشغيلها فضلا عن مشكلة النسيان الكارثي حيث تفقد المعلومات المكتسبة سابقا عند تعلم معلومات جديدة بالإضافة إلى ضعف قدرتها على إجراء عمليات الاستدلال المنطقي المعقد بشكل كاف وترى الدراسة أن هذه المشكلات تنبع بشكل أساسي من التصميم الأساسي للشبكات العصبونية الاصطناعية المستخدمة ومنهجيات تدريبها الحالية التي تعتمد بشكل كبير على التعلم القائم على البيانات فقط دون آليات ذاكرة فعالة تشبه تلك الموجودة في الدماغ البشري
تقديم مفهوم الذاكرة الآلية وإطار عمل M2I
لمواجهة هذه التحديات يقترح الباحثون مفهوما جديدا أطلقوا عليه اسم الذاكرة الآلية وهي عبارة عن بنية تخزين شبكية متطورة متعددة الطبقات وموزعة تعمل على ترميز المعلومات الخارجية بطريقة يمكن للآلات قراءتها ومعالجتها حسابيا وتدعم هذه البنية المبتكرة التحديثات الديناميكية للمعلومات والقدرة على ربطها زمنيا ومكانيا والوصول إليها بكفاءة واستنادا إلى هذا المفهوم يقدم الباحثون إطار عمل متكامل أسموه M2I يتكون من وحدات متخصصة للتمثيل والتعلم والاستدلال تعمل معا ضمن حلقتين تفاعليتين ويركز إطار M2I بشكل خاص على أربعة مجالات رئيسية هي
-
الآليات العصبية للذاكرة الآلية استكشاف كيف تتشكل الأنظمة العصبية في الدماغ وكيف يساهم تطور الدماغ والمرونة العصبية في بناء الذكاء
-
التمثيل الترابطي ترميز واسترجاع المعلومات عبر روابط وعلاقات متنوعة مثل الارتباطات بين المفاهيم المجردة والملموسة والارتباطات الزمانية والمكانية محاكاة لكيفية تنظيم الدماغ البشري للذاكرة واستعادة المعرفة
-
التعلم المستمر مواجهة مشكلة النسيان الكارثي من خلال اقتراح طرق تدعم التعلم المتواصل حتى في ظل موارد محدودة مما يمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من دمج معارف جديدة دون فقدان المعلومات القديمة
-
الاستدلال التعاوني دمج أنظمة الاستدلال القائمة على الحدس وتلك القائمة على المنطق لتعزيز قابلية تفسير النتائج وكفاءة عمليات الاستدلال الذكية
يحمل هذا النهج البحثي الجديد القدرة على إحداث تحول كبير في مجال الذكاء الاصطناعي فمن خلال محاكاة آليات الذاكرة المعقدة في الدماغ البشري قد يقود إطار العمل M2I إلى تطوير جيل جديد من الآلات الأكثر ذكاء وكفاءة وقدرة على التعامل مع المهام المعقدة والتكيف بمرونة مع البيئات المتغيرة باستمرار ومع ذلك لا يزال الطريق طويلا وهناك حاجة ماسة إلى مزيد من البحث والتطوير لتحقيق الإمكانات الكاملة لهذا النهج المبتكر وتحويله إلى تطبيقات عملية ملموسة يمثل هذا التوجه البحثي المستوحى من الذاكرة البشرية مسارا واعدا يوفر منظورا جديدا لمعالجة أوجه القصور في النماذج الحالية ويفتح الباب أمام دفع حدود الذكاء الاصطناعي نحو آفاق أوسع وأكثر تطورا في المستقبل القريب والبعيد