يعد الحمض النووي المخطط الأساسي للحياة وفك شفراته يفتح آفاقا واسعة في فهم الصحة والمرض لقد أحدثت تقنية تسلسل الحمض النووي من الجيل الجديد المعروفة اختصارا بـ ان جي اس ثورة حقيقية في هذا المجال فهي تتيح تحليل الحمض النووي دي ان ايه والحمض النووي الريبي ار ان ايه بسرعة ودقة وتكلفة منخفضة مقارنة بالطرق التقليدية مما جعلها ركيزة أساسية في الطب الدقيق وأبحاث السرطان وتطوير الأدوية وحتى في تحقيقات الطب الشرعي وتحسين الزراعة ورصد الطفرات الفيروسية لكن دراسة حديثة نشرت في مجلة اي تربل اي اكسس المرموقة دقت ناقوس الخطر إذ كشفت عن وجود ثغرات أمنية خطيرة في هذه التقنية الحيوية وهو ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات قرصنة واختراق غير مسبوقة لبياناتنا الجينية الحساسه الذكاء الاصناعي 

مخاطر أبعاد التهديدات السيبرانية للجينوم البشري

تنطوي عملية تسلسل الحمض النووي بتقنية ان جي اس على خطوات متعددة ومعقدة تبدأ من تجهيز العينات البيولوجية مرورا بعملية التسلسل نفسها وانتهاء بتحليل البيانات الضخمة الناتجة وكل هذه المراحل تعتمد بشكل كبير على أجهزة متطورة وأنظمة برمجية متصلة بالشبكات والبنية التحتية الرقمية هذا الارتباط الوثيق بالتكنولوجيا يجعل المنظومة بأكملها هدفا محتملا وجذابا للهجمات السيبرانية لقد سلط الباحثون في الدراسة الضوء على مجموعة من التهديدات المحتملة التي تتجاوز مجرد سرقة البيانات فمن الممكن مثلا تصميم برمجيات خبيثة مشفرة يمكن دمجها في عينات حمض نووي صناعي ليتم تفعيلها عند قراءتها بواسطة أجهزة التسلسل كما يمكن استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي للتلاعب بالبيانات الجينومية الخام وتغيير نتائج التحاليل بما يخدم أغراضا تخريبية بالإضافة إلى ذلك توجد أساليب قد تمكن جهات معادية من تحديد هوية الأفراد بشكل دقيق استنادا إلى معلوماتهم الوراثية المسربة وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للخصوصية الفردية وتهديدا للأمن الشخصي

مخاطر الحاجة الماسة لتعزيز الأمن السيبراني الجينومي

إن تداعيات اختراق البيانات الجينومية تتجاوز بكثير مجرد انتهاك الخصوصية فهي قد تؤدي إلى نتائج كارثية تؤثر على دقة الأبحاث العلمية وسلامة العلاجات الطبية بل وتمتد لتشكل تهديدا للأمن الوطني والقومي ولمواجهة هذه المخاطر الجسيمة دعت الدراسة إلى اتخاذ حزمة من التدابير العاجلة لتعزيز وتحصين البنية التحتية للأمن السيبراني في مجال الجينوم ومن أبرز هذه التدابير

  • تطوير طرق تسلسل جيني أكثر أمانا بطبيعتها ومقاومة للمحاولات التخريبية

  • اعتماد بروتوكولات تشفير قوية ومتقدمة لحماية البيانات الجينومية سواء أثناء نقلها أو تخزينها

  • الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة في رصد الأنشطة غير المعتادة والأنماط المشبوهة التي قد تدل على محاولة اختراق

  • كسر الحواجز وتعزيز التعاون والتنسيق الفعال بين خبراء الحوسبة والتكنولوجيا الحيوية والأمن السيبراني الذين يعملون غالبا بمعزل عن بعضهم البعض

أكدت الباحثة الرئيسة في الدراسة الدكتورة نسرين أنجم أن حماية مستقبل الطب الدقيق لا تقتصر على التشفير بل تتطلب استعدادا استباقيا لهجمات لم تحدث بعد وتغييرا جذريا في طريقة تفكيرنا وتأميننا لهذه التقنيات الحساسة كما حذرت الدكتورة مهرين الحسن عالمة الأحياء الدقيقة المشاركة في البحث من أن البيانات الجينومية تعد من أكثر البيانات خصوصية وأن اختراقها سيؤدي إلى عواقب أخطر بكثير من خروقات البيانات التقليدية فالافتقار إلى التنسيق والحماية الشاملة والمتكاملة يجعل بيانات الحمض النووي عرضة للاستغلال في أنشطة رقابية غير مشروعة أو تمييزية ضد أفراد أو مجموعات أو حتى كأسلحة في الإرهاب البيولوجي لذا فإن تأمين هذه الثروة المعلوماتية الحيوية لم يعد ترفا بل ضرورة ملحة لحماية مستقبل صحتنا وأمننا الجماعي