في خطوةٍ لا تُشبه إلا طموحها، ترسم دولة الإمارات العربية المتحدة ملامح غدٍ رقمي متكامل، معلنة عن إطلاق مبادرة وطنية عملاقة تعد بحق علامة فارقة في مسيرتها نحو الريادة العالمية. "مليون موهبة في الذكاء الاصطناعي"، ليس مجرد عنوان لمبادرة، بل هو إعلان عن استثمار استراتيجي غير مسبوق في العقل البشري، يستهدف تسليح مليون موظف حكومي بأدوات المستقبل – مهارات الذكاء الاصطناعي – بحلول عام 2027. إنها رؤيةٌ تتجسد، تضع الإنسان في قلب التحول الرقمي، وتؤكد أن المستقبل يُبنى بسواعد وعقول أبناء الوطن.

أهداف تتخطى التدريب: بناء منظومة ابتكار حكومية

لم تأتِ هذه المبادرة من فراغ، بل هي استجابة واعية ودقيقة لنداء المستقبل. ففي عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير التكنولوجي، ويُصبح فيه الذكاء الاصطناعي قاطرة النمو والتطور، أدركت الإمارات بحسها الاستشرافي أن البقاء في طليعة الركب يتطلب أكثر من مجرد تبني التقنيات؛ إنه يتطلب بناء القدرات وتمكين العقول. تهدف المبادرة إلى:

  1. صقل المهارات الرقمية: تحويل موظفي الحكومة إلى قوة عاملة ذكية، قادرة على فهم واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بفعالية.

  2. تسريع تبني الذكاء الاصطناعي: خلق بيئة عمل حكومية تحتضن الابتكار وتُسرّع من دمج الحلول الذكية في كافة العمليات.

  3. تعزيز الاقتصاد المعرفي: ترسيخ مكانة الإمارات كمركز عالمي للاقتصاد القائم على المعرفة، وتعزيز تنافسيتها على الساحة الدولية.

بوصلة القيادة: المستقبل هو الوجهة

تحظى هذه المبادرة بدعم لا محدود من القيادة الرشيدة، التي تؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأسمى. تأكيد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، خلال لقائه الملهم بالدفعة الأولى من المنتسبين، بأن المبادرة "وطنية شاملة، بوصلتها المستقبل"، يُجسّد هذه الرؤية الثاقبة. فتمكين الكوادر الوطنية بأدوات العصر الرقمي ليس خياراً، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان استدامة التنمية وتحقيق الريادة المنشودة.

تحالف العقول: شراكة إماراتية - عالمية

لتحقيق هذا الهدف الطموح، عقدت حكومة الإمارات شراكة استراتيجية مع عملاق التكنولوجيا العالمي "مايكروسوفت". هذا التحالف، الذي تم الإعلان عنه خلال الاجتماعات السنوية لحكومة الدولة، يمزج بين الرؤية الوطنية الطموحة والخبرة التقنية العالمية، ليخلق منصة مثالية لتزويد الكوادر الحكومية بأحدث المعارف والأدوات في مجال الذكاء الاصطناعي، ويضمن تطبيق أفضل الممارسات العالمية في بيئة العمل الحكومية.

انتشار وتفاعل: نسيج حكومي يتبنى التغيير

لم تعد المبادرة مجرد فكرة، بل أصبحت واقعاً ملموساً تتفاعل معه أكثر من 50 جهة حكومية اتحادية ومحلية. يُظهر هذا الانتشار الواسع حجم الالتزام المؤسسي ورغبة القطاع الحكومي بأكمله في الانخراط بفعالية في رحلة التحول الرقمي. ويضمن تصميم المحتوى التدريبي ليناسب طبيعة عمل كل جهة، أن يكون التعلم هادفاً ومُثمراً، ويُترجم مباشرة إلى تحسينات ملموسة في الأداء وتقديم الخدمات.

مسارات نحو التمكين: رحلة تعلم مصممة للجميع

إدراكاً لتنوع الأدوار والخبرات داخل القطاع الحكومي، صُممت المبادرة بذكاء لتقدم مسارات تدريبية متخصصة، تلبي احتياجات كل فئة، عبر برامج حضورية وافتراضية مرنة:

  1. المسار الشامل (بوابة المعرفة للجميع): يفتح الأبواب أمام جميع الموظفين لفهم أساسيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العملية في بيئتهم اليومية، مُزودين بحلول مايكروسوفت الذكية لتعزيز الكفاءة.

  2. مسار رواد الذكاء الاصطناعي (جسر الابتكار): يُعدّ حلقة الوصل الحيوية، فيمكّن الخبراء غير التقنيين من فهم أعمق للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ويشجعهم عبر ورش عمل التفكير التصميمي على ابتكار حلول عملية لتحديات مؤسساتهم.

  3. مسار أكاديمية الذكاء الاصطناعي (معقل الخبرة التقنية): يُعمّق خبرات المتخصصين التقنيين، ويمكّنهم من إتقان الأدوات المتقدمة وتصميم وتطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي تُعزز البنية التحتية الرقمية للدولة.

  4. مسار القادة (بوصلة الرؤية الاستراتيجية): يزود صناع القرار بفهم استراتيجي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة التوليدي منها، وكيفية تسخيرها لتطوير سياسات مبتكرة وخدمات حكومية استباقية تلبي تطلعات المستقبل.

الخاتمة: استثمار في الإنسان لصناعة المستقبل

مبادرة "مليون موهبة في الذكاء الاصطناعي" هي أكثر من مجرد برنامج تدريبي؛ إنها تجسيد لفلسفة إماراتية راسخة تؤمن بأن بناء المستقبل يبدأ ببناء الإنسان. من خلال تمكين مليون عقل بأدوات العصر، لا تُعزز الإمارات قدراتها الرقمية فحسب، بل تُرسل رسالة قوية للعالم بأنها لا تكتفي بمواكبة المستقبل، بل تسعى جاهدة لصناعته. إنها رؤية طموحة لجيل إماراتي قادر على قيادة التغيير، ووضع الدولة في قلب الثورة الرقمية العالمية كمركز للابتكار ومنارة للمعرفة.