أثارت واقعة الاعتداء الجنسي على أحد الأطفال داخل مدرسة تابعة لإدارة دمنهور التعليمية بمحافظة البحيرة حالة من الغضب المجتمعي، وفتحت نقاشًا حساسًا حول قضية التحرش الجنسي بالأطفال، وتأثيرها النفسي العميق سواء في الحاضر أو المستقبل. 

 

هل يتذكر الأطفال التحرش الجنسي عند الكبر؟.. استشاري نفسي يوضح

 

وتساءل كثيرون: هل يتذكر الأطفال ما يتعرضون له من اعتداءات جنسية عندما يكبرون؟ وكيف يمكن معالجة هذه الصدمات؟ وما دور الدولة في حمايتهم وتقديم الدعم لهم؟

في هذا الإطار، صرح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن تأثير الاعتداء الجنسي على الأطفال يختلف باختلاف المرحلة العمرية.

 

 فالطفل الذي يتعرض للتحرش في عمر أقل من ثلاث سنوات غالبًا لا يستطيع تذكّر ما حدث له عند الكبر، بسبب عدم اكتمال الذاكرة طويلة الأمد في هذه المرحلة.

 

 لذلك، يوصي الخبراء بعدم الحديث المتكرر عن الواقعة أمام الطفل بعد تجاوزها، لتفادي ترسيخ مشاعر الألم أو الخوف داخله.

 

أما في حال كان الطفل في عمر يزيد عن أربع سنوات، فإن احتمالية تذكره لما حدث تكون أعلى بكثير، بحسب ما أوضحه "فرويز". 

 

ففي هذه السن يكون الطفل قادرًا على التمييز والإدراك، ويعي أنه تعرض لسلوك غير طبيعي. ومن هنا تبدأ التأثيرات النفسية في الظهور، والتي قد تشمل القلق، الخوف، التبول اللاإرادي، اضطرابات النوم، فقدان الشهية، انخفاض الثقة بالنفس، أو حتى السلوكيات العدوانية أو الانطوائية.

 

وأكد فرويز أن الطفل قد لا يبوح بما تعرض له مباشرة، خصوصًا إذا كان الجاني قد هدده أو استغل سلطته عليه. كما أن شعور الطفل بالخزي أو الخوف من العقاب يدفعه إلى الصمت، ما يجعل الجريمة غير مكتشفة لسنوات.

 

 وفي بعض الأحيان، لا يتذكر الطفل تفاصيل ما حدث إلا عند البلوغ، أو إذا واجه محفزًا نفسيًا يعيد له الذكريات المؤلمة، مثل موقف مشابه أو خبر متداول على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وفي ظل هذه التحديات، يلعب الدعم النفسي دورًا محوريًا في مساعدة الأطفال على تجاوز آثار الاعتداء، خاصة إذا تم اكتشاف الأمر مبكرًا.

 

 ويؤكد الخبراء أن جلسات العلاج النفسي تساعد الطفل على التعبير عن مشاعره بأمان، وتفريغ الألم النفسي بطريقة صحية، مع دعم الأسرة وتدريبها على كيفية التعامل السليم مع الطفل دون لوم أو ضغط.

 

من ناحية أخرى، أصدر المجلس القومي للطفولة والأمومة بيانًا رسميًا أكد فيه متابعته الدقيقة لحالة طفل البحيرة، حيث تم التواصل مع الأسرة عبر خط نجدة الطفل (16000)، وتقديم الدعم القانوني والنفسي اللازم. 

 

وصرحت الدكتورة سحر السنباطي، الأمين العام للمجلس، أنه تم تحرير بلاغ رسمي وتكليف محاميين من وحدة الدعم القانوني لحضور أولى جلسات محاكمة المتهم، لضمان حماية حقوق الطفل وعدم الإفلات من العقاب.

 

وأوضحت السنباطي أن المجلس، بصفته الآلية الوطنية المختصة بحماية حقوق الأطفال في مصر وفقًا لقانون 182 لسنة 2023، يتولى التنسيق مع الجهات المعنية لضمان سرعة الاستجابة لأي بلاغات تتعلق بانتهاك حقوق الطفل، وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية، فضلًا عن التوعية المستمرة بمخاطر التحرش وطرق الوقاية.

 

كما شدد المجلس على أهمية دور المجتمع في حماية الأطفال، داعيًا أولياء الأمور إلى مراقبة أي تغيرات سلوكية لدى أبنائهم، والاستماع إليهم دون إصدار أحكام، واللجوء الفوري إلى الجهات المختصة في حال الشك بأي شكل من أشكال الإيذاء، سواء الجسدي أو النفسي أو الجنسي.

 

تبقى قضية التحرش الجنسي بالأطفال من أكثر القضايا التي تتطلب تكاتفًا بين مؤسسات الدولة، والأسرة، والمجتمع المدني، فالأطفال هم الفئة الأضعف والأكثر تأثرًا، وصدمات الطفولة قد تترك آثارًا لا تُمحى إذا لم تتم معالجتها بطرق علمية وإنسانية.

 

 لذا، يجب تكثيف حملات التوعية، وتدريب الكوادر التعليمية والصحية على الاكتشاف المبكر، إلى جانب تطبيق القانون بصرامة لضمان بيئة آمنة تحم

ي أطفالنا من كل أشكال الانتهاك.