أعلنت السلطات الجزائرية أمس الاثنين عن تدشين أول مجمع صناعي متكامل لإنتاج الهيدروجين الأخضر في منطقة حاسي الرمل الواقعة جنوب البلاد ضمن مشروع وطني طموح لتعزيز التحول الطاقي والحد من الانبعاثات الكربونية، وقد حضر مراسم التدشين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الطاقة وممثلو الشركات الوطنية والأجنبية المشاركة، حيث بدأت أول دفعات الهيدروجين الصديق للبيئة بالتدفق عبر الأنابيب المؤدية إلى محطة التعبئة والتصدير، ويهدف المشروع إلى إنتاج مليون طن سنويًا بحلول عام 2030 لمساندة صناعة الأسمدة وإنتاج الأمونيا النظيفة والاستخدام كوقود للملاحة البحرية والنقل الثقيل.

 

يعتمد المجمع على مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لب powering وحدات التحليل الكهربائي للماء باستخدام تقنيات متقدمة من الألمنيوم المنفصل المتين، حيث زُرعت آلاف الألواح الشمسية على مساحة 300 كيلومتر مربع بالإضافة إلى إنشاء مزارع رياح بقدرة إجمالية تبلغ ثلاثة آلاف ميغاواط، وتغذي هذه المصادر المتجددة خمسة آلاف وحدة تحليل كهربائي من طراز PEM وALK التي تعمل بأعلى كفاءة لتقليل استهلاك الكهرباء والماء، كما تم تزويد المجمع بأنظمة فيوزجرافي لتخزين الطاقة والتحميل الذكي الذي يوازن بين الإنتاج واستهلاك المحطات المجاورة.

 

شارك في بناء وتشغيل المجمع تحالف يتألف من الشركة الوطنية للكهرباء والغاز الجزائرية مع شركة ألمانية رائدة في تكنولوجيا الهيدروجين وشركة يابانية متخصصة في التخزين والضغط عالي الضغط، وقد جرى توقيع اتفاقيات تمويل ميسرة مع بنوك تنمية دولية ومنح من صندوق المناخ الأخضر بقيمة تجاوزت ثلاثة مليارات دولار، بينما التزم الشركاء الدوليون بنقل التكنولوجيا وتدريب أكثر من ألف مهندس وفني جزائري على الصيانة والتشغيل وإدارة مشاريع الطاقة المتجددة لضمان الاستدامة ورفع القدرات المحلية.

 

يُتوقع أن يسهم المجمع في تحقيق تحول اقتصادي واسع النطاق في الجزائر من خلال خلق أكثر من خمسة عشر ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات الهندسة والصيانة واللوجستيات وتطوير الموانئ، ويضاف ذلك إلى توفير الغاز الطبيعي المخصص للتصدير وتحويله إلى هيدروجين صديق للبيئة يرتفع سعره عالميًا، بالإضافة إلى تعزيز الصادرات الوطنية والدخل القومي، كما سيُسهم الهيدروجين الأخضر في دعم الصناعات الثقيلة والنقل البحري عبر شحن القوارب ومركبات النقل الثقيل، ما يقلل الاعتماد على الديزل الثقيل ويخفض الانبعاثات الضارة.

 

لدى المجمع مركز أبحاث متقدم بالتعاون مع جامعة هواري بومدين وباحثين من معاهد ألمانية وطوكيو والذي يُجري تجارب لتطوير أنواع جديدة من البطاريات والمتانول الأخضر للاستعمال في محركات الغاز والتطبيقات الصناعية، ويهدف المركز أيضًا إلى ابتكار حلول لتحلية مياه البحر باستغلال الطاقة الفائضة من المحلل الكهربائي لاستخدامها في دعم الزراعة الصحراوية، الأمر الذي يفتح آفاقًا لتنمية المناطق الجافة وإقامة مشاريع زراعية قائمة على الزراعة المائية في الصحراء.

 

على الصعيد الإقليمي أعربت كل من مصر والمغرب وتونس عن رغبتها في تبني تجربة الجزائر والتعاون معا في تقاسم البنى التحتية لنقل الهيدروجين عبر الأنابيب البرية والبحرية إلى الموانئ المتوسطية، فيما أعلنت المفوضية الأوروبية عن شراكة محتملة للاستيراد المباشر للهيدروجين الأخضر الجزائري لدعم استراتيجية الاتحاد الأوروبي للطاقة النظيفة، ويعكس ذلك دور الجزائر في قيادة منطقة شمال إفريقيا نحو اقتصاد منخفض الكربون وتحقيق تكامل طاقي إقليمي يخدم أهداف التنمية المستدامة.

 

يمثل افتتاح مجمع حاسي الرمل نقلة نوعية في استراتيجية الجزائر للطاقة المستدامة 2025–2030 إذ يؤكد حرص الدولة على استغلال مواردها الطبيعية الرائدة من الغاز والشمس والرياح للابتعاد عن الاعتماد الحصري على الوقود الأحفوري، ويعزز من مكانتها كلاعب رئيسي في أسواق الطاقة العالمية ويمهد الطريق أمام إطلاق مشاريع أخرى للهيدروجين الأزرق وتطوير شبكة مرافق شحن الهيدروجين داخل المدن الكبرى بجانب تعزيز البنية التحتية للموانئ لتكون جاهزة لتصدير الشحنات الضخمة نحو أوروبا وآسيا.