شهد برلمان منطقة بروكسل العاصمة تصويتًا بالإجماع على قرار طال انتظاره، يطالب فيه الحكومة الفيدرالية البلجيكية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. ويعد هذا التصويت الأول من نوعه في برلمان أوروبي إقليمي يطالب بالتنفيذ الفعلي لمذكرات الاعتقال، ما يفتح الباب أمام نقاشات قانونية وسياسية واسعة داخل الاتحاد الأوروبي حول درجة الالتزام بمبادئ القانون الدولي ومحاسبة مجرمي الحرب .
رد فلسطيني رسمي فوري
قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، إن هذا القرار ″يمثل خطوة متقدمة في مسار العدالة الدولية ويعيد الاعتبار للقانون الدولي وقرارات المحاكم الدولية″، مؤكدًا في بيان أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية مساء الاثنين، أن ″الإفلات من العقاب لم يعد مقبولًا في ضمير الشعوب الحرة″. وأضاف فتوح أن التصويت يشكل ″صفعة قوية لمحاولات بعض الحكومات الأوروبية التهرب من التزاماتها القانونية تجاه المحكمة الجنائية الدولية″، ويؤكد ضرورة فرض عقوبات على المسؤولين المتورطين في انتهاكات القانون الإنساني الدولي .
دعوات لإنشاء آلية تعاون قضائي
أشار البيان الرسمي إلى أن القرار يدعو إلى إنشاء آلية دائمة للتنسيق بين وزارتي العدل والخارجية والسلطات القضائية في بلجيكا وجميع الدول الصديقة، من أجل تسريع الاستجابة لطلبات المحكمة الجنائية الدولية. وتأتي هذه الدعوة بدافع ″تعزيز مصداقية القانون الدولي وإعادة الاعتبار لضحايا العدوان الإسرائيلي″، بحسب فتوح، الذي شدد على أهمية ترجمة النصوص البرلمانية إلى خطوات عملية تُلزم السلطات القضائية باتخاذ إجراءات تنفيذية بحق المتهمين .
نموذج يحتذى به في برلمانات العالم
اعتبر المسؤول الفلسطيني أن ″هذا الموقف البرلماني الشجاع″ يجب أن يكون ″نموذجًا يحتذى به″ في باقي البرلمانات الأوروبية والعالمية، داعيًا إلى ″ترجمة هذا القرار إلى إجراءات ملموسة تضمن محاسبة قادة الاحتلال وحماية المدنيين الفلسطينيين من المزيد من الانتهاكات″. وأضاف فتوح أن ″الضغط الشعبي والسياسي″ داخل أوروبا قد يتزايد على حكوماتها لتنفيذ ما التزمت به أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يعكس ″إرادة سياسية أوروبية متنامية″ في محاربة الإفلات من العقاب
تأثير القرار على العلاقات الدولية
من المتوقع أن يلقي هذا التصويت الضوء على ملف محكمة الجنايات الدولية أمام الأجسام التشريعية في دول الاتحاد الأوروبي، وربما يفتح نقاشًا حول تعديل السياسات الخارجية والاتفاقيات الأمنية مع إسرائيل. ويأتي ذلك في ظل ضغوط داخل البرلمان الأوروبي على مستوى اللجان المعنية بحقوق الإنسان لزيادة التعاون مع روما في متابعة القضايا المتعلقة بالجرائم الدولية، وهو ما قد يدفع حكومات أخرى لإعادة النظر في مواقفها من مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية .
ردود فعل إسرائيلية وانتقادات دبلوماسية
في المقابل استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير البلجيكي في تل أبيب احتجاجًا على القرار، معتبرةً أنه ″أحادي الجانب″ و″يفتقر إلى التوازن″، وحذرت من أن تنفيذه قد يضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين. وجاء في بيان رسمي إسرائيلي أن ″المسار القانوني الصحيح″ يتمثل في التنسيق مع النيابات العامة والمحاكم ذات الاختصاص، وأن القرار ″لا يعبر بالضرورة″ عن موقف الحكومة الفيدرالية البلجيكية برمتها، مما يؤكد تعقيد التحول من قرار برلماني إقليمي إلى إجراء دبلوماسي ورابط قانوني دولي .
يرى محللون سياسيون أن الخطوة البلجيكية قد تشجع برلمانات أخرى على المضي قدمًا في إجراءات مماثلة، خصوصًا في ظل تصاعد الدعوات الأوروبية لإعادة إحياء مسار السلام الدولي وفق أسس القانون الدولي. وتشير تقديرات مراكز الأبحاث إلى أن موجة من القرارات البرلمانية المماثلة قد تظهر في العاصمة الهولندية أمستردام وفي برلمان فالونيا في بلجيكا، إضافة إلى أجسام تشريعية في السويد وأيرلندا، مع تزايد المطالب الشعبية بوقف ″الازدواجية القياسية″ في تطبيق معايير حقوق الإنسان وردع مرتكبي الجرائم .
تأتي هذه التطورات في وقت تصاعد فيه الحديث عن مؤتمر دولي لإعادة إطلاق مفاوضات السلام، وقدّر مراقبون أن ″الغطاء السياسي″ الذي توفره قرارات مماثلة سيعزز من فرص ضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لإنهاء العمليات العسكرية وتقديم قادة يدانوا أمام المحاكم الدولية.