بعد رحلة امتدت لاثني عشر عامًا، أعلن النجم الكرواتي لوكا مودريتش رحيله رسميًا عن نادي ريال مدريد الإسباني، في خطوة تضع حدًا لمسيرة كروية استثنائية ارتبطت بأمجاد النادي الملكي في العقد الأخير في بيان وداعي مؤثر، تحدث مودريتش بصدق عن مشاعره، مشيرًا إلى أن يوم السبت سيكون آخر ظهور له بقميص ريال مدريد على ملعب "سانتياجو برنابيو"، قبل أن يُطوى فصلٌ من فصول المجد في تاريخ النادي.

 

انضم لوكا مودريتش إلى ريال مدريد في صيف 2012 قادمًا من توتنهام الإنجليزي مقابل 30 مليون جنيه إسترليني، في صفقة أثارت حينها بعض الجدل، خاصة مع وجود شكوك حول قدرته على التأقلم مع أجواء الليغا الإسبانية لكن الوقت أثبت أن التعاقد مع النجم الكرواتي لم يكن مجرد صفقة عادية، بل كان حجر الأساس لبناء خط وسط هو الأنجح في تاريخ النادي الحديث.

 

في موسمه الأول، واجه مودريتش صعوبات في التأقلم، لكنه سرعان ما فرض نفسه بفضل ذكائه، قدرته على التحكم في نسق المباريات، وقوة شخصيته داخل الملعب، ليصبح خلال سنوات قليلة أحد الأعمدة الرئيسية في الفريق.

 

 

في ظل وجوده، عاشت جماهير ريال مدريد لحظات لا تُنسى. كان مودريتش العقل المدبر في خط الوسط، إلى جانب زميليه توني كروس وكاسيميرو، في ثلاثية استثنائية سيطرت على أوروبا وأرعبت الخصوم قاد هذا الثلاثي ريال مدريد للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا خمس مرات، منها ثلاث متتالية بين 2016 و2018، في إنجاز لم يسبق لأي فريق في العصر الحديث تحقيقه.

 

فنيًا، تميز مودريتش بقدرته على الربط بين الدفاع والهجوم، تمريراته السحرية، تحركاته الذكية، وتسديداته الحاسمة. وبعيدًا عن الإحصائيات، كان وجوده في الملعب كافيًا لبث الطمأنينة في نفوس زملائه والجماهير.

 

 

إلى جانب نجاحاته مع النادي، حصد مودريتش جوائز فردية عديدة، أبرزها الكرة الذهبية عام 2018، كأول لاعب يكسر هيمنة الثنائي ميسي ورونالدو على الجائزة منذ أكثر من عقد جاء التتويج بعد قيادة منتخب بلاده كرواتيا إلى نهائي كأس العالم، إلى جانب أدائه المذهل مع ريال مدريد طوال الموسم.

 

بهذا التتويج، رسّخ مودريتش مكانته كواحد من أفضل لاعبي خط الوسط في تاريخ كرة القدم، وليس فقط في تاريخ ريال مدريد.

 

في بيانه، عبّر مودريتش عن مشاعره تجاه النادي وجماهيره بكلمات صادقة. قال إن اللعب لريال مدريد "غيّر حياته" على المستويين المهني والإنساني، مشيرًا إلى أنه عاش لحظات لا تنسى، من "نهائيات وعودات مستحيلة"، إلى "ليالٍ ساحرة في البرنابيو".

 

ووجّه شكره لكل من دعمه طوال سنواته في النادي، من رئيس النادي فلورنتينو بيريز، إلى زملائه والمدربين والجماهير. كما أعرب عن اعتزازه بكل التصفيقات والمواقف الداعمة من الجمهور، قائلًا: "لا أعرف كيف أصف مدى ارتباطي بكم".

 

وأكد في ختام كلمته أنه سيظل دائمًا مشجعًا لريال مدريد، حتى وإن لم يرتدِ قميصه في الملعب مرة أخرى بعد بطولة كأس العالم للأندية القادمة.

 

برحيل مودريتش، يُسدل الستار على واحدة من أعظم الفترات في تاريخ ريال مدريد الحديث لاعب أتى بشكوك، ورحل كأسطورة وبين الوصول والرحيل، كتب قصة مجد لا تنسى، وصنع نموذجًا للاعب المحترف الملتزم، القائد الصامت، والمبدع المتواضع.

 

هذا الرحيل ليس نهاية فقط للاعب داخل الملعب، بل نهاية لمرحلة كاملة عاش فيها جمهور الريال على وقع تمريرات مودريتش، وركضه الأنيق، ومراوغاته التي لا تعتمد على السرعة بقدر ما تعتمد على الذكاء.

 

حتى الآن، لم يعلن النجم الكرواتي عن وجهته القادمة. البعض يرشحه للانتقال إلى الدوري السعودي، والبعض الآخر يتوقع ختام مسيرته في كرواتيا أو الولايات المتحدة ما هو مؤكد أن أي فريق سيحظى بخدماته، سيكسب لاعبًا بخبرة لا تُقدّر بثمن، وروح لا تعرف الاستسلام.