غادر وفدا حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة "23 مارس" المتمردة محادثات السلام التي أُجريت في قطر هذا الأسبوع، دون التوصل إلى أي اتفاق أو خطط واضحة للعودة إلى طاولة الحوار، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة على مجريات المفاوضات لوكالة "رويترز".

 

ويأتي فشل هذه الجولة من المحادثات في وقت حساس تمر به المنطقة، حيث تشهد أقاليم الشرق الكونغولي تصعيدًا غير مسبوق من قبل حركة "23 مارس"، المدعومة من رواندا، التي تمكنت خلال الشهور الماضية من السيطرة على مدن رئيسية، ما يثير المخاوف من تحول الصراع إلى حرب إقليمية أوسع.

 

كانت قطر قد توسطت الشهر الماضي في لقاء نادر بين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي والرئيس الرواندي بول كاغامي، في محاولة لإنعاش جهود الوساطة بعد تعثر المبادرات الإفريقية اللقاء خلُص إلى دعوة الطرفين لوقف إطلاق النار، وكان من المفترض أن يمهد الطريق لانطلاق مفاوضات مباشرة بين حكومة كينشاسا وحركة "23 مارس" خلال هذا الشهر.

 

إلا أن المصادر تؤكد أن الاجتماعات تعطلت مبكرًا نتيجة خلافات حادة حول "التفاصيل الفنية"، وخصوصًا ما يتعلق بإجراءات بناء الثقة، مثل إطلاق سراح سجناء مرتبطين بالحركة أو برواندا.

 

بحسب المصادر، طالبت حركة "23 مارس" بالإفراج عن مئات المعتقلين الموجودين في سجون الكونغو، وهو ما قوبل برفض قاطع من قبل الحكومة، التي رأت أن هذه المطالب "مبالغ فيها" ولا تتماشى مع حجم الحركة على الأرض.

 

وقال مصدر حكومي مشارك في المحادثات: "إنهم لا يسيطرون حتى على مقاطعتين من أصل 26، ويطالبون بإطلاق سراح مئات السجناء وإسقاط اتهامات وإلغاء إدانات... نحن دولة تحترم استقلال القضاء لا يمكننا الرضوخ للأهواء".

 

في المقابل، أصر ممثل من "تحالف المتمردين" الذي يضم حركة "23 مارس" على أن تلك المطالب ليست تعجيزية، بل ضرورية لأي حوار سياسي حقيقي، مؤكدًا أن استمرار الإجراءات القضائية ضد عناصر الحركة يقوّض أي احتمال لبناء الثقة.

 

من جانبه، لا يزال الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي يرفض بشكل قاطع فكرة الجلوس مع قادة حركة "23 مارس"، ويصفها بجماعة إرهابية. وهو موقف يُنظر إليه على أنه عقبة رئيسية أمام أي تقدم حقيقي في جهود التهدئة.

 

وكانت "23 مارس" قد أعلنت انسحابها من مدينة واليكالي وهي مركز تعدين استراتيجي في خطوة وصفتها بأنها "بادرة حسن نية" قبيل المفاوضات غير أن القتال استؤنف في المنطقة، بحسب مصدر في الأمم المتحدة، في إشارة إلى هشاشة الوضع الميداني، وفشل الأطراف في تثبيت أي وقف حقيقي لإطلاق النار.

 

تصاعد النزاع في شرق الكونغو هذا العام خلّف آلاف القتلى ومئات الآلاف من النازحين، وأعاد إلى الواجهة واحدة من أعقد الأزمات الإفريقية وأكثرها تداخلاً، حيث تتقاطع مصالح دول الجوار مع الميليشيات المحلية، في ظل غياب أفق سياسي واضح للحل.

 

وتقول منظمات إنسانية إن الوضع في الإقليم بلغ مرحلة حرجة، مع تزايد الحاجة للمساعدات، وتدهور أوضاع اللاجئين والنازحين في مراكز الإيواء، بالتزامن مع انعدام الأمن الغذائي، وتفشي الأمراض، وانهيار الخدمات الصحية.

 

فشل محادثات الدوحة لا يبشر بأي تهدئة قريبة. بل إنه يُنذر بجولة جديدة من المواجهات الميدانية، خصوصًا مع عودة القتال في مناطق مثل واليكالي ومع غياب الوساطة الإفريقية الفاعلة، وتردد الأطراف الدولية في التدخل الحاسم، تبقى فرص الحل ضئيلة ما لم يُعد النظر في شروط التفاوض، وتبنى الثقة من جديد.

 

وفي ظل هذا الجمود، يبقى المدنيون في شرق الكونغو هم الضحية الأولى، ما يستدعي تحركًا دوليًا أكثر فاعلية، لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وفرض التزام حقيقي بوقف إطلاق النار، كخطوة أولى نحو تسوية سياسية شاملة.