منذ وصولها إلى وزارة الأمن في ديسمبر 2023، تحوّلت باتريسيا بولريتش إلى واحدة من أبرز الوجوه في حكومة الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، بل يمكن القول إنها باتت تُجسّد بشكل واضح "النهج الصارم" الذي اختاره ميلي لإدارة البلاد وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي يرافق قراراتها، فقد استطاعت بولريتش أن تفرض نفسها كرمز للحسم والانضباط، في بلد يواجه تحديات اقتصادية وأمنية متفاقمة.
بولريتش لم تنتظر طويلًا بعد توليها المنصب، إذ سارعت إلى الإعلان عن بروتوكول أمني جديد يسمح بتفريق المتظاهرين وفتح الطرقات المغلقة دون الحاجة للعودة إلى القضاء.
خطوة اعتبرتها منظمات حقوقية تهديدًا واضحًا للحريات العامة، لكنها في المقابل، عززت شعبيتها لدى شريحة واسعة من المواطنين، بحسب تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ففي استطلاعات رأي أجريت مؤخرًا، بلغت نسبة تأييد بولريتش نحو 48%، وهي نسبة تقارب إلى حد كبير شعبية الرئيس ميلي نفسه، ما يعكس مدى القبول الشعبي لإجراءاتها رغم حدّتها.
لم تكتف بولريتش بإجراءات استعراضية، بل أرفقتها بخطوات ميدانية ملموسة. فقد أعلنت وزارتها عن ارتفاع بنسبة 58% في كميات الكوكايين المضبوطة خلال عام 2024، في وقت سجّلت فيه مدينة روزاريو التي عرفت سابقًا بكونها بؤرة حروب العصابات انخفاضًا بنسبة 65% في معدلات القتل.
تعتبر هذه الأرقام من أبرز إنجازات حكومة ميلي حتى الآن، خصوصًا أنها جاءت في وقت تتصاعد فيه مطالب الشارع بضبط الأمن، لا سيما في المناطق الفقيرة والبعيدة عن العاصمة بوينس آيرس.
هذا الوصف لم تطلقه الصحافة، بل جاء على لسان الرئيس ميلي نفسه، الذي لم يُخفِ إعجابه الشديد بأداء بولريتش، رغم أن العلاقة بينهما لم تكن دائمًا على وفاق. ففي انتخابات 2023، كانت بولريتش من أبرز الوجوه المعارضة، لكنها التحقت بميلي قبيل الجولة الثانية، معلنة دعمها له في مواجهة اليسار التقليدي، وهو ما عُدّ آنذاك تحولًا سياسيًا كبيرًا.
اليوم، يرى كثير من المحللين أن تحالف بولريتش مع ميلي شكّل نقطة تحوّل في مسار الحكومة، حيث بات يعتمد عليها في تأمين الاستقرار الداخلي، وكسب ثقة الناخبين المحافظين، خاصة النساء فوق سن الستين، في ظل التحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في أكتوبر 2025.
تنتمي باتريسيا بولريتش إلى عائلة أرجنتينية برجوازية معروفة، وقد بدأت مشوارها السياسي في صفوف اليسار البيروني، قبل أن تنقلب لاحقًا نحو التيار اليميني المحافظ. هذا المسار المتقلب أكسبها خبرة في التعاطي مع مختلف التيارات، كما أنها سُجنت لفترة قصيرة خلال عهد الديكتاتورية العسكرية، وعاشت في المنفى قبل أن تعود إلى الحياة السياسية في التسعينيات.
في السنوات الأخيرة، بنت بولريتش سمعة سياسية قائمة على الحزم والخطاب المباشر، حيث تعرف بلغتها القوية، وصوتها الأجش، وشخصيتها التي توصف أحيانًا بأنها "غير قابلة للانكسار" وهي تصر دائمًا على أن معركتها الحقيقية ليست فقط ضد الجريمة، بل ضد الفوضى والفساد والتسيب الإداري.
تدرك بولريتش جيدًا أن النجاح الأمني وحده لا يكفي لبناء مستقبل سياسي، لذلك فهي تعمل على توسيع دورها داخل الحكومة، من خلال ملفات اقتصادية واجتماعية، وتسعى إلى أن تكون ضلعًا أساسيًا في مشروع ميلي السياسي الشامل.
وتشير تقارير محلية إلى أن بولريتش قد تكون مرشحة محتملة لرئاسة الحكومة أو حتى للرئاسة في المستقبل، إن استمرّت في هذا الزخم الشعبي، لا سيما أنها باتت تمثل "اليد القوية" التي يحتاجها ميلي لتطبيق أجندته المثيرة للجدل.