في خطاب لافت ألقاه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس خلال حفل تخريج دفعة عام 2025 من الأكاديمية البحرية الأمريكية، أعلن عن ملامح جديدة لسياسة الأمن القومي والعسكري التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية، واضعًا حدًا لما وصفه بـ"عقود من التدخلات العسكرية غير المحسوبة"، ومؤكدًا على أن الجيش الأمريكي لن يُرسل إلى مناطق النزاع إلا لأهداف محددة وواضحة.
تصريحات فانس جاءت بمثابة تأكيد واضح على تحوّل جذري في نهج السياسة الدفاعية للولايات المتحدة، حيث شدد على أن عهد المهام "غير المحددة" و"الحروب المفتوحة" قد انتهى، في إشارة صريحة إلى مغامرات عسكرية سابقة خاضتها الولايات المتحدة، لا سيما في الشرق الأوسط وآسيا.
قال فانس في كلمته: "هذا النهج لا يعني تجاهل التهديدات، بل يعني التعامل معها بانضباط. إذا أرسلناكم إلى الحرب، فإننا سنفعل ذلك مع وضع مجموعة محددة جدًا من الأهداف في الاعتبار".
هذه العبارة تمثل جوهر التحول في العقيدة العسكرية لإدارة ترامب، التي تحاول تقديم نفسها على أنها أكثر واقعية وحذرًا في التعامل مع الأزمات الدولية، مقابل استراتيجيات الإدارات السابقة التي واجهت انتقادات بسبب التورط في صراعات طويلة الأمد مثل أفغانستان والعراق وسوريا.
فانس لم يتوقف عند الحديث عن الانضباط، بل أشار بوضوح إلى أن البديل الذي ستنتهجه إدارة ترامب هو "استخدام القوة بشكل حاسم وسريع"، مشيرًا إلى نماذج من قرارات ترامب السابقة، ومنها الضربات الجوية التي نفذت ثم ألغيت لاحقًا ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن.
وأضاف نائب الرئيس أن "هكذا يجب استخدام القوة العسكرية، ليس بطريقة استعراضية، بل بأهداف واضحة وسرعة في التنفيذ، بعيدًا عن التورط في مستنقعات لا تنتهي".
هذا الخطاب يترجم توجهًا واضحًا من إدارة ترامب نحو إعادة صياغة الدور الأمريكي العالمي، والتركيز على حماية المصالح المباشرة للولايات المتحدة، دون الدخول في صراعات لا يمكن الخروج منها بسهولة.
فبدلًا من القيام بدور "شرطي العالم"، تهدف الإدارة الجديدة إلى اعتماد نموذج أكثر انتقائية في استخدام القوة العسكرية، مع مراعاة الكلفة البشرية والاقتصادية، وأثر كل تدخل على الداخل الأمريكي.
ربما يكون فانس قد أشار بشكل غير مباشر إلى دروس مأساوية من الماضي، حيث تسببت حروب مثل العراق وأفغانستان في مقتل آلاف الجنود الأمريكيين، وإنفاق تريليونات الدولارات، دون تحقيق نتائج استراتيجية حاسمة.
وقد أشارت تقارير إلى أن إدارة ترامب تجري مراجعة شاملة لكافة التزامات القوات الأمريكية حول العالم، ومن المتوقع أن تؤدي هذه المراجعة إلى تقليص الوجود العسكري في مناطق عدة، مع إبقاء التركيز على حماية الحلفاء الاستراتيجيين فقط، مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية، وشركاء الناتو.
اختيار فانس لإلقاء هذا الخطاب أمام خريجي الأكاديمية البحرية لم يكن عشوائيًا، بل يحمل دلالة رمزية، إذ يُراد منه طمأنة الأجيال الجديدة من العسكريين بأنهم لن يُرسلوا إلى "حروب عبثية"، بل سيكون دورهم محصورًا في حماية المصالح الأمريكية بشكل مباشر وواضح.
كما يأتي الخطاب في وقت تعاني فيه المؤسسات العسكرية الأمريكية من تراجع في معدلات التجنيد، بسبب عزوف الشباب عن الانخراط في الخدمة العسكرية، لأسباب تتعلق بالخوف من التورط في صراعات لا تنتهي.
محليًا، قوبل خطاب فانس بتأييد من التيارات اليمينية والمحافظة، التي ترى أن الجيش يجب أن يستخدم فقط لحماية السيادة والمصالح، وليس لبناء دول أو التدخل في نزاعات لا تعني الأمريكيين بشكل مباشر.
أما خارجيًا، فقد أثار التصريح اهتمامًا واسعًا، خصوصًا في الشرق الأوسط، حيث يُراقب الفاعلون الإقليميون عن كثب كيف ستتعامل إدارة ترامب مع ملفات مثل النووي الإيراني، والحرب في اليمن، وتهديدات الميليشيات المسلحة في المنطقة.