يواجه الكيان الإسرائيلي اتهامات خطيرة بالإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة في محكمة العدل الدولية، وذلك بناءً على دعوى قضائية رفعتها دولة جنوب أفريقيا. القضية، التي أثارت جدلاً واسعاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، تستند إلى اتهامات بانتهاك إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية، وهي معاهدة دولية ملزمة تهدف إلى منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. الكاتب الإسرائيلي جيرمي شارون، وفي مقال له بصحيفة تايمز أوف إسرائيل، سلط الضوء على خطورة الموقف، مؤكداً أن بلاده ستجد نفسها في قفص الاتهام يوم غد الخميس. وأشار إلى أن صدور حكم مؤقت ضد إسرائيل سيكون له تأثير شديد، وقد يترتب عليه عواقب دبلوماسية وخيمة، وقد يؤثر حتى على السلوك المستمر للحرب في غزة. تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وما خلفته من خسائر بشرية فادحة وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
أسس الدعوى القضائية الجنوب أفريقية
تستند الدعوى القضائية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية إلى عدة أسس رئيسية. أولاً، تستشهد الدعوى بالعدد الهائل من المدنيين الفلسطينيين الذين استشهدوا نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة. ثانياً، تركز الدعوى على الانخفاض الشديد في إمكانية حصول سكان غزة على الاحتياجات الأساسية للحياة، مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كارثي. وتعتبر جنوب أفريقيا أن هذه العوامل مجتمعة تشير إلى وجود "جهود إسرائيلية مخططة لارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة". وتؤكد جنوب أفريقيا أن هذه الأفعال ترقى إلى مستوى انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تلزم الدول الأطراف بمنع ومعاقبة أي عمل يهدف إلى تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً. وتشدد الدعوى على أن إسرائيل، بصفتها دولة طرفاً في الاتفاقية، ملزمة بالامتثال لأحكامها.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وتأثيرها
أشار الكاتب الإسرائيلي جيرمي شارون إلى أن التصريحات التحريضية العديدة التي أدلى بها وزراء في الحكومة الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين في غزة، مثل تصريحات بن غفير وسموتريتش، قد قوت موقف جنوب أفريقيا، وأعطت مصداقية للاتهامات الموجهة لإسرائيل بوجود نية مبيتة لارتكاب إبادة جماعية. ويعتبر إثبات النية عنصراً حاسماً في أي اتهامات بالإبادة الجماعية، حيث يجب أن يثبت المدعي أن الأفعال المرتكبة كانت تهدف إلى تدمير جماعة معينة. وتعتبر التصريحات العلنية التي تدعو إلى العنف أو الكراهية أو التحريض على الإبادة الجماعية أدلة قوية على وجود هذه النية. وفي هذا السياق، فإن التصريحات الصادرة عن مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى تكتسب أهمية خاصة، حيث أنها تعكس السياسة الرسمية للدولة. وبالتالي، فإن هذه التصريحات قد يكون لها تأثير كبير على مسار القضية في محكمة العدل الدولية.
القرارات المحتملة وتداعياتها
على الرغم من أن الحكم النهائي في القضية قد يستغرق سنوات، إلا أن جنوب أفريقيا طلبت من المحكمة إصدار أوامر مؤقتة ضد إسرائيل، وذلك بهدف منع تفاقم الوضع الإنساني في غزة وحماية المدنيين الفلسطينيين. وتتراوح الأوامر المؤقتة المحتملة بين المطالبة بوقف شامل وفوري لإطلاق النار، وهو ما تعارضه إسرائيل والولايات المتحدة، إلى أوامر أكثر اعتدالاً، مثل الإصرار على السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ويرى المراقبون أن الحكم المؤقت نفسه سيكون الأكثر ضرراً لمكانة إسرائيل على الصعيد الدولي. فإذا قررت محكمة العدل الدولية أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، فإن ذلك سيضع ضغوطاً هائلة على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل. وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى الوقوف إلى جانب إسرائيل إذا قررت المحكمة أن الدولة العبرية ترتكب إبادة جماعية.
تأثير الحكم على الحرب في غزة
أكد الكاتب الإسرائيلي أن الحكم ضد إسرائيل يمكن أن يؤثر حتى على السلوك المستمر للحرب في غزة. فإذا أصدرت المحكمة أوامر مؤقتة تلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار أو اتخاذ تدابير أخرى لحماية المدنيين، فإن ذلك سيحد من قدرة إسرائيل على مواصلة عملياتها العسكرية في القطاع. وقد تضطر إسرائيل إلى تغيير تكتيكاتها العسكرية أو تقليل نطاق عملياتها لتجنب انتهاك أوامر المحكمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكم ضد إسرائيل قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية عليها أو اتخاذ إجراءات أخرى ضدها من قبل الدول والمنظمات الدولية. وقد يؤدي ذلك إلى عزل إسرائيل على الصعيد الدولي وتقويض اقتصادها. وبالتالي، فإن القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية تمثل تحدياً كبيراً لإسرائيل، وقد يكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد.