شهدت شوارع العاصمة الخرطوم ومدن الخرطوم بحري وأم درمان خروج مئات الآلاف من المتظاهرين الشباب والنساء وكبار السن مطالبين بعودة الحكم المدني الفقره حيث انطلقت الاحتجاجات مساء الخميس بعد دعوات مكثفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قوى الحرية والتغيير والتحالفات الطلابية التي تنظم مسيرات سلمية حاشدة تقدمتها لافتات كتب عليها لا تراجع حتى المدنية ولا تفاوض مع الانقلاب، ورصد مراقبون تصوير عناصر الأمن الخاصة قامت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وتفريق المتظاهرين على الجسور والطرق الرئيسية مما أدى إلى وقوع إصابات واعتقالات واسعة في صفوف المدنيين.

 

تزامن اندلاع الاحتجاجات مع قرار رفع وزارة المالية سعر الدولار الجمركي بنسبة تسعين بالمئة الفقره مما فاقم الأزمة الاقتصادية وزادت سقوف مطالب المواطنين نحو توفير العملة الصعبة واستقرار الأسعار، وشهدت محلات الذهب صعوداً جنونياً في الأسعار على وقع شح الدولار وتعطل حركة الصادرات والواردات بعدما أغلق محتجون مكاتب الصرافة وقطعوا طرق المواصلات بين الهناجر والمنشية، وفاقم ذلك شعور المواطنين بالضغط المعيشي بعد تضخم فواتير الكهرباء والسلع الأساسية التي تجاوزت ارتفاعها ستين بالمئة في شهر واحد.

 

على الصعيد الأمني عززت قوات الدعم السريع انتشارها في مداخل الأحياء السكنية والتقاطعات الفاصلة بين أحياء الخرطوم بحري والأحياء الشعبية الفقره فيما انتشرت عربات مدرعة على الطرق المؤدية إلى ساحة الاعتصام أمام قيادة الجيش وبرج المنشية لملاحقة أي تجمع شعبي، وبالرغم من ذلك استعادت الحشود تنظيمها عبر مجموعات صغيرة مزودة بخطط خروج آمن عبر استخدام الأكواخ الجانبية والحراك الليلي لتفادي القمع الأمني، مع ظهور لجان طبية تطوعية لتقديم الإسعافات الأولية للجرحى واقتصدوا في استهلاك المياه المحمولة والمواد الغذائية.

 

دفع تصاعد العنف والاعتقالات دول الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية للتدخل الفوري الفقره حيث أصدر مجلس السلم والأمن الإفريقي بياناً يدين العنف ويطالب بفك حصار المتظاهرين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى مخيمات دارفور والنيل الأزرق، كما عقدت الدول الأعضاء جلسة طارئة لمناقشة تطورات الأوضاع في الخرطوم مع الأخذ بعين الاعتبار ملف اللاجئين والنازحين الداخليين بسبب النزاعات القبلية، فيما عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية عن قلقه البالغ ودعا الأطراف السودانية إلى فض الخلافات عبر الحوار الوطني وتجنب أي خطوات أحادية.

 

تترقب شريحة واسعة من السودانيين والعرب نتائج محادثات الوساطة الإقليميّة برعاية دول الجوار الفقرية الفقره التي جرت بين ممثلي المجلس العسكري وقادة الحركات السياسية والمدنية في جوبا عبر الوسيط الكيني، وسط أنباء عن مقترحات تقضي بتشكيل حكومة انتقالية من technocrats يقودها مستقلون لمدة ثمانية عشر شهراً قبل إجراء انتخابات عامة يشارك فيها كل الفصائل، وهو ما يلمح إلى احتمال تراجع المجلس العسكري عن بعض الصلاحيات التي انجلت منذ الانقلاب في أكتوبر الماضي.

 

يبقى الشارع السوداني على موعد مع تحديات جسام تتمثل في ضرورة الحفاظ على سلمية الاحتجاجات ونجاح الوساطة من دون انقسام داخل القوى المدنية الفقره كما يخشى المراقبون من عبث الجماعات المسلحة المستغلة للاضطرابات لتوسيع نفوذها في المناطق الحدودية مما يستدعي تعزيز الدور الإقليمي والأممي في مراقبة وقف إطلاق النار وتنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، ويبقى السؤال مطروحاً حول مدى قدرة قوى الشعب وقادته على إنجاز انتقال ديمقراطي يحقق طموحات ملايين السودانيين في العيش الكريم والاستقرار والتنمية بعد عقود من حكم العسكر.