تقع منطقة العطرون عند ملتقى طرق حيوية تربط شمال دارفور بمواقع الإنتاج الزراعي والغابي، حيث تعد ممراً رئيسياً لإمدادات الوقود والمؤن، ما يجعلها شرياناً لوجستياً حيوياً لجميع القوات، وبتحكم الجيش فيها، يتاح له قطع خطوط إمداد الخصوم، وتأمين انتشار أفضل لقواته بين مدن الفاشر ونيالا وزالنجي، مما يضع الطوق على حركات التمرد ويقلص قدراتها على المناورة في السهول المحيطة.
نشأ التوتر في دارفور منذ عام 2003 بين الحكومة المركزية وجماعات مسلحة تطالب بالمزيد من التمثيل السياسي والتنمية، وتصاعد الصراع بعد الانقلاب في أكتوبر 2021، إذ انقسم الجيش إلى وحدات موالية للمجلس العسكري وأخرى انضمت لقوات الدعم السريع، فشهدت الأقاليم الغربية اشتباكات متكررة، وظهرت لوحات نزوح واسعة للسكان المدنيين الباحثين عن مناطق أكثر أمناً، وسط تدخلات إثنية وعشائرية أضافت بعداً معقداً للصراع.
أطلقت وحدات من الجيش هجوماً من محورين في ساعات الصباح الباكر، استهدفت فيه نقاط تمركز قوات الدعم السريع، مستخدمةً مروحيات هجومية ودبابات نقل جند مدرع، وتقدمت عبر الطريق الفاصل بين الفاشر وكريمة، محققةً تقدماً مفاجئاً، واستطاعت خلال يومين من القتال المكثف فرض سيطرتها على مركز العطرون وقاعدة الإمداد اللوجستي المحاذية، ثم رفعت العلم الوطني فوق مقر القيادة المحلية، مؤمنةً بذلك الممر الكامل نحو شمال دارفور.
توازي سيطرة الجيش على العطرون بدورها على مجرى الاشتباكات في مدينة الفاشر، فقد أجبرت مجموعات الدعم السريع على الانسحاب إلى أطراف المدينة حفاظاً على خطوط إمدادها، مما مكن القوات الحكومية من تطويق الفاشر من الجهة الجنوبية، وفتح ثغرات لقطع خطوط الاتصالات الأرضية بين المتمردين، كما جرى تطويق حي “كريان” الذي كان مركزاً لأنشطة الدعم السريع، فقلّ نفوذ الأخير وسط المدينة، وارتفع مستوى الأمان تدريجياً لدى المدنيين الذين استأنفوا بعض أعمالهم اليومية.
في المقابل تشهد العاصمة المؤقتة أم درمان معارك متقطعة بين كتائب موالية للدعم السريع والجيش الشعبي، حيث لجأ الطرفان إلى تكتيكات حصار الأحياء والسكنات، ومع سيطرة الجيش على العطرون، تبيّن للدعم السريع ضرورة تعزيز مواقعهم بأم درمان، فتصاعدت وتيرة القذائف والمدفعية الثقيلة في الأحياء الغربية، بينما نجحت القوات الحكومية في إحكام حصار حي “أم درمان القديمة”، ما دفع بعائلات إلى النزوح نحو الأطراف، في حين تواصلت الدعوات لوساطة قبلية لفتح ممرات آمنة للمدنيين.
رافق التقدم العسكري موجة نزوح داخلية كبيرة، حيث اضطر أكثر من 30 ألف مدني لمغادرة القرى المحيطة بالعطرون والفاشر، بحثاً عن ملاذ آمن قرب معسكرات الهلال الأحمر ومراكز الإيواء المؤقتة، ما زاد الضغوط على تلك المرافق التي تفتقر للمياه الصالحة والأغذية الأساسية، وأشارت منظمات إغاثية إلى نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وانعدام فرص التعليم للأطفال، وسط مخاوف من انتشار الأوبئة مع حلول موسم الأمطار.
تشير تحليلات ميدانية إلى أن سيطرة الجيش على العطرون تعطيه اليد العليا في معركة دارفور عمومًا، فتأمين خط الإمداد يتيح له توجيه قوى إضافية نحو محاور أخرى كمدينة نيالا وجنوب دارفور، فيما سيحتاج الدعم السريع إلى إعادة تمركز طويل الأمد وتجهيز مؤازرات من ولايات أخرى، مما يضعف قدرته على خوض معارك متعددة في آن واحد، وقد يُمهد ذلك لصياغة تفاهمات قبلية تفضي لوقف مؤقت للأعمال العدائية.
بالرغم من أبعاد الصراع العسكرية، لا تزال المسارات القبلية تلعب دوراً محورياً، فقد أعلن مشايخ العشرينية ودار فور الوسطى استعدادهم لاستضافة جلسات مصالحة تضم قيادة الجيش وقادة الدعم السريع، للتفاوض على تبادل الأسرى وفتح طرق الإمداد، مع اقتراح إنشاء لجنة أمنية قبلية مشتركة تشرف على وقف الإطلاق، على أن تتدخل الأمم المتحدة لتقديم ضمانات متابعة، في محاولة لتفادي مزيد من الانزلاقات التي قد تنذر بنزوح جماعي نحو دول الجوار.