تصدر اليوم الأربعاء محكمة فرنسية حكمها في واحدة من أخطر القضايا الجنائية والطبية في تاريخ البلاد، والمتهم فيها الجراح السابق جويل لو سكوارنيك، البالغ من العمر 74 عامًا، بعد اتهامه بارتكاب اعتداءات جنسية ممنهجة على 299 طفلًا على مدى أكثر من ربع قرن، داخل منشآت طبية متعددة كان يعمل بها.
"الطبيب الشيطان".. محكمة فرنسية تصدر حكمها في واحدة من أفظع قضايا
ويواجه الجراح الملقب إعلاميًا بـ"الطبيب الشيطان" طلبًا قضائيًا من النيابة العامة لتوقيع أقصى عقوبة ممكنة بالسجن لمدة 20 عامًا، بعد سلسلة طويلة من التحقيقات والمحاكمات التي كشفت عن نمط خطير من الإيذاء الجنسي ضد الأطفال، ارتكب في أماكن كان يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للمرضى الصغار.
نمط مرعب من الانتهاك
انطلقت المحاكمة الثانية للجراح في فبراير الماضي بمدينة بريتاني، حيث استمعت المحكمة إلى تفاصيل صادمة توثق الانتهاكات التي ارتكبها المتهم بين عامي 1989 و2014 وقد تضمنت الاعتداءات أطفالًا بمتوسط أعمار لا يتجاوز 11 عامًا، في مؤسسات صحية فرنسية متعددة.
التحقيقات كشفت عن نمط متكرر وواضح من الانتهاكات، ما يرجح أن الجراح لم يكن يتحرك بدوافع عرضية أو مؤقتة، بل بطريقة منهجية، مستغلًا موقعه المهني وثقة الأهل والمؤسسات الطبية به.
تقاعس رقابي وفضيحة مؤسسية
ما زاد من تعقيد القضية وأثار موجة غضب مجتمعي هو أن جويل لو سكوارنيك أُدين سابقًا في عام 2005 بتهم مشابهة، إلا أنه استمر في مزاولة مهنته الطبية لسنوات لاحقة، قبل أن يتم توقيفه نهائيًا في عام 2017.
هذا القصور في التعامل مع الإدانة السابقة سلط الضوء على ثغرات الرقابة داخل النظام الطبي الفرنسي، وأثار تساؤلات حادة حول كيفية السماح لمُدان بالعودة للعمل مع فئة حساسة كالأطفال، دون اتخاذ إجراءات صارمة لحماية المرضى.
منظمات حقوقية عديدة هاجمت السلطات الصحية، وطالبت بإجراء مراجعة شاملة للآليات الرقابية داخل المؤسسات الطبية، وتوسيع نطاق المساءلة لمن سمحوا باستمرار مهنة الجراح رغم وجود سجل جنائي حافل بالانتهاكات.
دفاتر الرعب والاعترافات الكاملة
واحدة من أبرز عناصر القضية هي العثور على دفاتر وملاحظات مفصلة في منزل المتهم، خلال حملة تفتيش أمنية، حيث وثق بنفسه ما ارتكبه من أفعال مشينة هذه الملاحظات ساعدت المحققين في التعرف على عدد كبير من الضحايا، وأكدت الطبيعة المنهجية للانتهاكات.
خلال جلسات المحاكمة، أقر لو سكوارنيك بارتكابه الأفعال المنسوبة إليه، بل واعترف بوقائع أخرى خارج نطاق الدعوى الحالية بسبب تقادم الزمن قانونيًا، بما في ذلك اعتداءات داخل محيطه العائلي، وهو ما عمّق من صدمة الرأي العام، ووصفته النيابة بأنه "يمثل خطرًا دائمًا على المجتمع".
مطالب بالإبقاء عليه داخل منشأة مؤمنة
وفي ضوء تقييمات نفسية أجراها الخبراء خلال المحاكمة، حذرت النيابة العامة من خطورة الإفراج عن المتهم مستقبلًا، حتى بعد انتهاء فترة العقوبة المحتملة، وأوصت بضرورة احتجازه داخل منشأة طبية مؤمنة، نظرًا لاحتمالية تكرار السلوك الإجرامي.
وتمثل هذه الدعوة مسارًا استثنائيًا في القانون الفرنسي، حيث يُطالب بإجراء احترازي طويل الأمد ضد شخص أتمّ قضاء عقوبته، وهو ما يوضح التهديد الخطير الذي يراه القانون في شخص الجراح السابق.
تأثير اجتماعي ومؤسسي واسع
القضية التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، لا تُعد مجرد محاكمة فردية، بل أصبحت رمزًا لما يمكن أن يحدث حين تفشل المؤسسات في أداء دورها الرقابي فقد طالبت جمعيات الطفولة والحقوق المدنية بإصلاحات تشريعية عاجلة، وتطوير أنظمة التبليغ والتدقيق المهني، لضمان أن لا تتكرر مثل هذه الجرائم مستقبلاً.
كما طالبت بعض العائلات المتضررة بفتح تحقيقات مستقلة في الأدوار الإدارية والطبية التي سمحت باستمراره في العمل، حتى بعد إدانة أولى في منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
محاكمة ثالثة في الطريق
ورغم حجم القضية الحالية، إلا أن الملف لا يبدو أنه في طريقه للإغلاق، إذ من المتوقع عقد محاكمة ثالثة في وقت لاحق، بعد ظهور أدلة وشهادات جديدة خلال مجريات المحاكمة الأخيرة، ما يشير إلى أن عدد الضحايا قد يكون أكبر من المُعلن حتى الآن.