الحمد لله الذي أنعم علينا بـ فضائل نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، وشرّفنا بمواسم الطاعة والخير، وخصّنا بأيام مباركة تتنزل فيها الرحمات وتُغفر فيها الزلات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد
فضائل عيد الأضحى وأيام التشريق
يعيش المسلمون في هذه الأيام المباركة نفحات عظيمة من الإيمان والسكينة، تبدأ بيوم عيد الأضحى المبارك وتمتد إلى أيام التشريق الثلاثة التي تليه. هي أيام رحمة ومغفرة، وأيام فضل وذكر وشكر لله تعالى على نعمه الجليلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القرّ. ويوم القرّ هو اليوم الذي يلي يوم النحر وهو أول أيام التشريق، سُمي بذلك لأن الحجيج يستقرون فيه في منى بعد أداء معظم مناسكهم.
أيام الذكر والشكر
إن هذه الأيام العظيمة أيام ذكر وشكر لله عز وجل، قال تعالى واذكروا الله في أيام معدودات. كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أيام أكل وشرب وذكر لله. وهذا يدل على أن نعيم الجسد من الطعام والشراب يجب أن يكون مصحوبًا بنعيم الروح من ذكر الله وشكره. ففي هذه الأيام المباركة تجتمع للعبد لذة الطاعة والعبادة مع متعة الأكل والشرب، فينعم القلب ويطمئن بذكر الله، وتُستشعر فيه النعم ويزداد الإيمان.
أيام التوبة والرجوع إلى الله
إن أيام التشريق ليست مجرد مناسبة اجتماعية أو مظاهر احتفالية، بل هي فرصة ذهبية ليتقرب العبد من ربه، ويجدد العهد معه سبحانه، ويتوب من الذنوب والخطايا. إن الله سبحانه يتجلى على عباده في هذه الأيام برحمته الواسعة، ويفتح لهم أبواب المغفرة والعطاء، فما أعظمها من فرصة لمن أدرك قيمتها وسعى لاستغلالها. قال تعالى وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، فما أحوجنا إلى شكر نعم الله في هذه الأيام، وما أحوجنا إلى العودة إليه تائبين منيبين.
قيم الرحمة والتسامح في عيد الأضحى وأيام التشريق
من القيم العظيمة التي تبرز في عيد الأضحى وأيام التشريق، قيمة الرحمة التي تشمل الإنسان والحيوان على السواء. فقد حث الإسلام على الإحسان إلى الناس جميعًا، وعلى الرفق بالحيوان، حتى في ذبح الأضحية أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُحسن الذبح، ونُريح الذبيحة. قال صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.
وهذه الأيام دعوة للتراحم بين الناس، وصلة الأرحام، ومواساة الفقراء والمحتاجين، ومد يد العون للمكروبين، وجبر خواطر المنكسرين. إن العيد الحقيقي لا يكتمل إلا ببذل المعروف، ونشر البهجة، والتسامح مع الآخرين، وغضّ الطرف عن الزلات، ونسيان الأحقاد.
مشهد الحج ودروس الاجتماع والوحدة
تجسد أيام التشريق مشهدًا رائعًا من التآخي والوحدة بين المسلمين، خاصة في منى حيث يجتمع الحجيج من كل فج عميق، على اختلاف لغاتهم وألوانهم وأوطانهم، توحدهم كلمة التوحيد، ويجمعهم هدف واحد هو طلب رضا الله تعالى. هذا المشهد يجب أن يكون درسًا عمليًا لنا جميعًا، لنعمل على نشر روح المحبة والتعاون والتسامح في مجتمعاتنا، وأن نكون مثالًا في التآخي والتكافل كما أراد الإسلام.
فلنغتنم هذه الأيام العظيمة، ولنكثر من الذكر والدعاء، ولنحرص على أداء الأعمال الصالحة، ولنجعل من عيد الأضحى وأيام التشريق بداية جديدة نعود فيها إلى الله بقلوب خاشعة ونفوس مطمئنة. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا من المرحومين والمغفور لهم في هذه الأيام المباركة، وأن يعيدها علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات، وكل عام وأنتم بخير.