كانت سلسلة محلات بلبن علامة تجارية لامعة في عالم الحلويات الشرقية، اشتهرت بتقديم منتجات الأرز باللبن بنكهات مبتكرة مثل "الأوريو" و"النوتيلا"، وحققت انتشارًا واسعًا في مصر ثم في السعودية. لكن في أبريل 2025، انقلب المشهد تمامًا بعد أن تحولت فروع "بلبن" من محلات مزدحمة بالزبائن إلى فروع مغلقة بقرارات حكومية، بعد اتهامات بالتسبب في حالات تسمم غذائي ومخالفات صحية خطيرة.
بداية الأزمة: تسمم في الشيخ زايد
انطلقت الشرارة الأولى من فرع الشيخ زايد، حيث تم الإبلاغ عن ثلاث حالات تسمم نتيجة تناول منتجات من المحل، وعلى رأسها "أرز بلبن أوريو". تم نقل المصابين إلى المستشفى، وبدأت الجهات الرقابية في فحص العينات، ليتبين وجود:
-
بكتيريا ممرضة
-
مواد غذائية مجهولة المصدر
-
ألوان صناعية محظورة دوليًا
-
مواد منتهية الصلاحية
لم تقتصر التحقيقات على هذا الفرع فقط، بل اتسعت لتشمل باقي الفروع في الجيزة والقاهرة وبعض المحافظات الأخرى.
الصحة وهيئة سلامة الغذاء: إغلاق 12 فرعًا والتحقيق في التراخيص
بتوجيهات من وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء، تم إصدار قرار بإغلاق 12 فرعًا تابعًا للسلسلة في محافظة الجيزة وحدها، بعدما ثبت وجود مخالفات تتعلق بالنظافة العامة والتراخيص. وكشفت التحقيقات أيضًا أن بعض الفروع كانت تعمل بدون تصاريح صحية أو سجل تجاري معتمد.
في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الصحة السعودية عن إغلاق جميع فروع "بلبن" داخل المملكة بعد حالات تسمم مشابهة تم توثيقها هناك، واتخذت إجراءات قانونية بحق الفرع المسؤول.
رد فعل الشركة: إنكار ثم اعتراف بالتقصير الإداري
أصدرت إدارة بلبن بيانًا أوليًا نفت فيه حدوث حالات تسمم أو وجود بكتيريا ضارة، مؤكدة أن الإغلاق جاء "لأسباب تنظيمية". لكن تحت ضغط التحقيقات والبيانات الرسمية، بدأت الشركة بالتراجع تدريجيًا، وأعلنت عن نيتها التعاون الكامل مع الجهات الرقابية، وتعهدت بـ:
-
تطوير خطوط الإنتاج
-
تدريب العاملين
-
توفيق الأوضاع القانونية
-
الالتزام بالمعايير الصحية الصارمة
التدخل الرئاسي: السيسي يطالب بالإصلاح قبل العودة
بناءً على توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، عقد الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة ونائب رئيس مجلس الوزراء اجتماعًا مع الدكتور طارق الهوبي رئيس هيئة سلامة الغذاء، لمناقشة الأزمة.
وتم التأكيد على ضرورة تصحيح أوضاع السلسلة بالكامل قبل السماح لها بالعودة، مع منح الشركة فرصة أخيرة لـ"توفيق الأوضاع القانونية والصحية".
كما تم تشكيل لجان تفتيش ومراجعة شاملة لجميع الفروع، وأُعلنت عودة مشروطة لـ"بلبن" بعد استيفاء الضوابط التالية:
شروط استئناف نشاط "بلبن":
-
توفير تراخيص سارية لجميع الفروع.
-
الالتزام بدورات تدريبية للعاملين في سلامة الغذاء.
-
وجود مشرف صحي داخل كل فرع.
-
توريد المواد الخام من مصادر معتمدة وموثقة.
-
إجراء فحوصات دورية لكل منتجات السلسلة.
-
إتاحة تقارير رقابية دورية لجهات التفتيش.
الأثر الاجتماعي والاقتصادي:
تسببت الأزمة في توقف عشرات العمال عن العمل، كما تضررت سمعة العلامة التجارية بشدة. وعلى الرغم من الانتشار الواسع الذي كانت تتمتع به "بلبن"، فإن استعادة ثقة المستهلكين لن تكون سهلة، خصوصًا مع ارتباط اسم السلسلة الآن بكلمة "تسمم".
تحليل: هل تعود "بلبن"؟
العودة ممكنة ولكن بشروط صارمة، أهمها الشفافية والمحاسبة وتغيير النموذج الإداري بالكامل. فالشركة باتت مطالبة ليس فقط بإصلاح ما أفسدته، بل ببناء جدار ثقة جديد مع جمهورها. وستظل عودتها تحت مراقبة دقيقة من الجهات الرقابية وعيون الإعلام والرأي العام.
خاتمة: دروس من أزمة بلبن
قضية "بلبن" لم تكن مجرد أزمة تخص محلًا يقدم الأرز باللبن، بل تمثل درسًا واضحًا في أهمية الرقابة الصحية، وضرورة الامتثال للمعايير القانونية. كما أظهرت كيف أن رد فعل الدولة السريع قد يحمي أرواح المواطنين، ويعيد ضبط السوق التجاري وفق أسس أكثر انضباطًا.