لفت الاكتشاف الأخير في منطقة سقارة انتباه العالم، لكونه أقدم دفنات رعوية تم الكشف عنها منذ عقود، إذ عُثر على أكثر من خمسين تابوتًا خشبيًا مغلقًا، وثلاث مومياوات محفوظة جيدًا، ومجسمات حجرية ونحتية دقيقة الصنع، يعود معظمها لعصر الدولة القديمة، ما يعكس عراقة الحضارة المصرية، ويعزز مكانة مصر رائدة في مجال التنقيب الأثري، ويحفز العلماء على إعادة كتابة فصول تاريخية منسية.

 

كيف تمّ الاكتشاف والعمل الحفري


اعتمد فريق التنقيب المصري على تقنيات المسح الجيولوجي ثلاثي الأبعاد، والاستشعار عن بعد، لرصد التجاويف الأرضية التي تشير إلى وجود دفنات قديمة، ثم شرع الفريق في العمل اليدوي الدقيق، تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، وبمشاركة خبراء من جامعات القاهرة وعلماء من عدة دول، حيث جرى توثيق كل قطعة أثريَّة رقميًا، وتنظيفها في الورش الميدانية باستخدام مواد خاصة، ثم نقلها بعناية إلى المتحف الميداني المؤقت لحمايتها من التغييرات المناخية.

 

خمس فوائد للسياحة والبحث العلمي


أولاً، تعزيز السياحة الثقافية وجذب آلاف الزوار الباحثين عن التجارب الفريدة، ثانياً، إثراء المعرفة الأثرية عبر تحليل القطع المستخرجة، وإصدار أبحاث جديدة تفتح آفاقًا علمية، ثالثاً، توفير فرص عمل محلية في مجالات الحفائر والترميم والإرشاد السياحي، رابعاً، زيادة العائدات الاقتصادية للقطاع السياحي والحرف التقليدية المرتبطة ببيع التذكارات وتعليم فنون التراث، خامساً، رفع الوعي العالمي بأهمية حماية التراث المادي واللامادي لكل الأمم.

 

أهم التحديات في الحفاظ على الآثار


تواجه المقابر المكتشفة تحديات عدة، منها خطر التعرض للعوامل الجوية القاسية، والتلوث الصناعي الناتج عن المدخلات الحديثة، كما يتطلب الحفاظ على الألوان والرسوم الداخلية تقنيات ترميم متقدمة، مع ضرورة وضع خطط أمنية مشددة لمنع التخريب أو السرقات، إضافة إلى صيانة دورية للموقع، وضبط مستوى الرطوبة والحرارة داخل الحُجُرات لضمان استدامة القطع الأثرية.

 

جهود الترميم والحماية


أطلقت وزارة السياحة والآثار، بالتعاون مع معاهد ترميم دولية، برنامجًا لتدريب شباب الأثريين على أحدث أساليب الترميم، واستيراد معدات متطورة لضبط درجات الحرارة والرطوبة، كما وُضعت أنظمة مراقبة إلكترونية مستمرة، تُرصد حركة الزوار، وتنبه فور تسجيل أي تغيير في الظروف البيئية المحيطة.

 

دور المجتمع المحلي في الاهتمام بالتراث


شارك أهالي قريتي سقارة وأبو صير بحماس في حملات التوعية، حيث تعلّموا مهارات الحراسة الأثرية، والإرشاد السياحي، والترجمة للغات متعددة، ما خلق نوعًا من الشراكة الحقيقية بين سكان المنطقة والمسؤولين، وأكسبهم فخرًا بمكانهم التاريخي، وحفزهم على المساهمة في التنمية المستدامة عبر السياحة الثقافية.

 

أرقام وحقائق عن الاكتشاف


كشف الفريق عن 50 تابوتًا خشبيًا مغلقًا، و15 مقبرة تعود لحوالي 4000 سنة قبل الميلاد، منها مقبرة لكاهن رفيع، و10 مومياوات محنطة، و30 تمثالًا حجريًا صغيرًا، وعُمق الحفائر تجاوز 12 مترًا تحت سطح الأرض.

 

آفاق المستقبل والسياحة الثقافية


يتوقع الخبراء ارتفاع عدد زوار سقارة بنسبة تتجاوز 30% خلال العامين القادمين، مع إطلاق مسار سياحي جديد يربط بين سقارة وأهرامات الجيزة، إلى جانب تطوير تطبيقات جوالة توفر جولات افتراضية، ودلائل تفاعلية متعددة اللغات، ما يعزز من مدة إقامة السائحين، ويضاعف إنفاقهم على الإقامة والخدمات السياحية المحلية.